تعد بيانات وإحصاءات سوق العمل ثروة قومية يمكن الاستفادة منها في رسم السياسات الاقتصادية، وتحديد اتجاهات سوق العمل وتحليل مركباته، كما أنّها حجر الأساس في التخطيط وصنع القرار السليم سواء على المستوى المؤسسي أو الوطني، فلها أهمية بالغة لا تقل عن أهمية الموارد الاقتصادية والطبيعية، وتلعب دورًا مهمًا في التنمية الشاملة والمستدامة.
وتسهم الإحصاءات الدورية ولا سيما في مجالات التنمية الاقتصادية ودراسات سوق العمل في بناء وتحليل المؤشرات الدورية بأداء سوق العمل، إذ ينظر إلى مؤشرات سوق العمل على أنها المحددات الكمية والنوعية التي تحدد حالة سوق العمل، وتحلل مركباته، وتستعمل لرصد التغيرات أو التقدم في ظاهرة تنتمي لسوق العمل، وترتبط بمنظومات أخرى، فهي أدوات لتلخيص حالة سوق العمل، وقد تستخدم للحكم على مدى كفاءة منظومات أخرى كمنظومة التعليم والتدريب، كما تستخدم هذه المؤشرات لمقارنة الظواهر على المستوى الوطني أو بين مختلف المناطق الجغرافية للقُطر الواحد أو للمقارنة على المستويين الإقليمي أو الدولي أو حتى للمقارنة الزمانية، فهي وسيلة إنذار مبكر.
ولقد اتفق بين معظم المنظمات الإقليمية والعالمية منها منظمة العمل العربية ومنظمة العمل الدولية على جملة من مؤشرات سوق العمل كمحددات ومنبهات تقيس أداء سوق العمل، ما يسهم في بناء الخطط الاقتصادية وتنمية الموارد بالاستغلال الأمثل وتصويب أوضاع حالة الأداء الإنتاجي في مختلف القطاعات سواء ما يهم الاقتصاد الكلي أو الجزئي، وتلعب مؤشرات سوق العمل أهمية كبرى في التخطيط للحد من البطالة والتخفيف من حدة الفقر أو توجيه الاستثمارات الداخلية والخارجية، كما تسهم المؤشرات في تقييم السياسات الاقتصادية الحالية وما يتبع ذلك من ضرورة اتخاذ قرارات سليمة لتصحيح مسارها بما يلبي الحاجات والمتطلبات المجتمعية، فكما هو معروف لا تنمية دون تخطيط ولا تخطيط دون بيانات دقيقة ترصد الواقع وتستشرف المستقبل.
إن توفير منصات إلكترونية لمتابعة تطور مؤشرات التنمية الاقتصادية ومؤشرات سوق العمل يسهم وبفاعلية في الاستجابة السريعة والديناميكية لتغيرات السوق، وتعديل الخطط التنفيذية، وهو ما يحتاج إلى تضافر الجهود الحكومية وغير الحكومية وشراكة فعالة بين أطراف الإنتاج، لتطوير وتحديث الإحصاءات الدقيقة والمؤشرات الواقعية ومن ثم رسم ودراسة المؤشرات، ما يعد متطلبًا رئيسيًا لرصد جهود التنمية، مع تأكيد دور المجتمع المدني أيضًا في هذا الشأن لكونها منتجًا ومشاركًا في هذه المؤشرات وليس مستهلكًا أو قارئًا عابرًا لها فقط.
وتقوم فكرة قياس مؤشرات سوق العمل على احتساب وقياس لهذه المؤشرات عبر الإحصاءات الدورية وفق صيغ رياضية خاصة بكل مؤشر من هذه المؤشرات، التي منها على سبيل المثال لا الحصر البطالة، ومعدل المشاركة في قوة العمل وساعات العمل، ومعدلات الأجور.
إن ضمان نجاح منظومة مؤشرات سوق العمل ولكي تؤدي مهمتها فإنه يجب أن تتوافر المعلومات الكافية والدقيقة عن سوق العمل، ما يستلزم تبني إستراتيجية واضحة لجمع وترتيب وتبويب البيانات الإحصائية وبمنهجيّة علمية وبشكل دوري، وهو ما نحتاج إليه كثيرًا في قطاع غزة بتطوير منظومة لبيانات سوق العمل ومنصات إلكترونية خاصة بالمؤشرات الوطنية، وهناك تجارب سابقة صادرة عن هيئات حكومية ومنظمات إحصائية وبناء ما يسمى بنظام معلومات سوق العمل LMIS، إلا أن الحجم الكبير والمتنامي للاقتصاد غير المنظم، والحالة غير المستقرة للنشاط الاقتصادي تدعو إلى ضرورة تطبيق الأطر القانونية الخاصة بتوفير إحصاءات دورية حول سوق العمل، ومنها المادة (9) من قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2000، وتفعيل وتعزيز الجهات ذات العلاقة بتطوير وتحديث الإحصاءات ومؤشرات سوق العمل، ما يسهم في تجويد رسم السياسات الاقتصادية الفاعلة بالاعتماد على مؤشرات سوق العمل المحدثة كمدخل لحل القضايا الاقتصادية والحد من الفقر والبطالة.