فلسطين أون لاين

تحذير من مخالفات إشهار عقود الزواج في المساجد

...
توضيحية

تَحذِيرُ الأمَاجِدِ مِنْ مُخَالَفَاتٍ عِندَ إشهارِ عُقُودِ الزَّوَاجِ، في الْمَساجِدِ

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فهذه أهَمُّ أحكامِ إشهار عقد الزواج في الْمسجد في أربعة بنود:

أولاً/ استَحَبَّ جمهورُ الفقهاء؛ مِنَ الْحنفية، والْمالكية، والشافعية، وبعضِ الْحنابلة إجراءَ عقدِ الزواج، أو إعلانَ النـِّكَاحِ في الْمسجد، وهو اختار ابن تيمية، وابن القيم؛ لأنَّ النكاحَ عبادةٌ وطاعةٌ، والْمسجدُ مكانٌ لِعبادةِ الله تعالى، وطاعَتِهِ، ويُرجَى له حُصولُ بَرَكَةِ الْمَكانِ؛ وهو أدعىٰ لإشهار الزواج، وتـحصيلِ كَمَالِ إعلانِهِ بين الناس.

ثانياً/ ويُمكن أنْ يُستدَلَّ لِجواز ذلك بِما رَوَىٰ سَهْلٌ بنُ سَعدٍ السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه قال: (كُـنَّـا عِـنْـدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم جُـلُـوسًا، فَـجَـاءَتـْهُ امْـرَأَةٌ تَعْـرِضُ نَـفْـسَـهَـا عـَلَـيْـه، فَـخَـفَّـضَ فِـيهَـا النَّـظَـرَ ورَفَـعَـهُ، فَـلَمْ يُـرِدْهَا، فَقالَ رَجُـلٌ مِـن أصْـحَـابـِهِ: زَوِّجْـنِـيـهَا يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: أعِـنْـدَكَ مِـن شيءٍ؟، قالَ: مـا عِـندِي مِـن شيءٍ، قالَ: ولا خَـاتـَمٌ مِـن حَـدِيـدٍ؟ قالَ: ولا خَـاتـَمٌ مِـن حَـدِيدٍ، ولَـكِـنْ أشـُـقُّ بُـرْدَتي هـذِه فَـأعْـطِـيـهَـا النِّـصْـفَ، وآخُـذُ النِّـصْـفَ، قالَ: لا، هـلْ مـعـكَ مِـنَ القُـرْآنِ شـيءٌ؟، قالَ: نَـعَـمْ، قالَ: اذْهَـبْ، فـقـد زوَّجـتــُكَـها بِما مـعـكَ مِـنَ القُـرْآنِ) أخرجه الشيخان، واللفظ للبخاري، ورقمه (5132)، والْمرادُ بقوله صلى الله عليه وسلم: (زوَّجـتــُكَـها بِما مـعـكَ مِـنَ القُـرْآنِ) هو تعليمُها ما يَحفظُ من القرآن الكريـم؛ لأنَّ الْمَهرَ يَجوزُ أن يكونَ مَنفعةً، ولا يُشترَطُ أنْ يكون نقداً.

قال ابن حجر: (وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثوْرِيِّ عِنْدَ الإِسْمَاعِيلِيِّ: "جَـاءَتِ امْـرَأةٌ إِلَى النَّـبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُـوَ فِي الْمَـسْـجِـدِ"، فَأفـَادَ تـَعْيِيْنَ الْمَكَانِ الذِي وَقـَعَتْ فِيهِ الْقِصَّةُ) (فتح الباري (9/206)، وفي هذا دليلٌ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أجرىٰ عقدَ النـِّكاحِ في الْمسجدِ؛ فدَلَّ على جَوَازِهِ؛ بل استحبابه لِما سَلَفَ من الْمقاصد.

وأما حديث: (أعلِنوا هذا النكاحَ، واجعَلُوهُ في الْمساجد، واضرِبوا عليه بالدُّفوفُ)، فهو ضَعيفٌ لا تقومُ بِهِ حُجَّةٌ، ولا يَصلُحُ للاستِدلال بِهِ في هذه الْمسألة.

ثالثاً/ يُشتـَرَطُ لِجَوَازِ إجراءِ عَقدِ النـِّكاحِ، أو إعلانِهِ في الْمسجد، أنْ يَتجَنـَّبَ الناسُ الوقوعَ في مُخالفاتٍ شرعيةٍ تتنافىٰ مَعَ حُرمَةِ الْمسجِدِ، وآدابِهِ.

ومِـنَ تلك الْمُـخَـالَـفـاتِ الشـرعـيـة التي لا يَـجـوزُ اقـتـرافــُهـا فـي الْمـسـاجـِدِ هـذه السِّـتُّ، كـما يـلي:

( 1 )  وضعُ الصور، وتعليقُها؛ كصورةِ الزَّوجِ العَرُوسِ، أو غيـرِه في يافطات التهنئة، ولو مؤقتاً، ويَعظُمُ الإثـمُ لو عُلِّقَتْ أثناءَ الصلاة، في قِبْلَةِ الْمُصَلِّيْن؛ لِما فيها من تشويش الْخشوع.

( 2 )  إحداثُ اللَّغَطِ، والفَوضَىٰ، ورَفعُ الصَّوتِ أثناءَ توزيعِ الضِّيافـَةِ على الْحاضرين.

( 3  )  استعمال الْمَعازِفِ، ولو كانت دُفـَّاً فقط، عند التـَّرَنـُّمِ بالنشيد؛ لأنـَّهُ مِنْ آلاتِ اللَّهوِ والطَّرَبِ.

( 4 )  إطلاق الْمُفَرقعات والألعاب النارية، ولو على باب الْمسجد.

( 5 ) تلويث الْمسجد بالْمأكولات والْمشروبات، أو تـَركُ مُخَلِّفَاتِها في الْمسجد.

( 6 ) عدم الْمحافظة علىٰ مُقَدَّراتِ الْمسجد، ومَرافِقِهِ، وأثاثِهِ، وأدَواتِهِ.

رابعاً/  لا يـجوز للشيخِ الذي جاءَ لِيُلقِيَ كلمةَ إشهار الزواج، أو إمامِ الْمسجد، أو أميـرِهِ، أو أسرَتِهِ أنْ يَسكُتوا عند حُدوثِ شيءٍ مِنَ الْمُخالفاتِ الشرعية في الْمسجد، ويَجب عليهم أنْ يُنكِروا ذلك، ويَمنَعوهُ؛ فإنَّ السُّكوت مِنْهُم إقرارٌ بالْمُنكَرِ، وهو حَرامٌ، وقد استحَقَّ بنو إسرائيل اللَّعنَ؛ لأنهم تركوا النهي عن الْمنكر، وهذا ما سجلته سورة  الْمائدة في قوله تعالى: ( لُـعِــنَ الَّذِينَ كَـفَرُوا مِنْ بَــنِــي إِسْـرَائِـيـلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِـيسَى ابْنِ مَـرْيَـمَ ذَلِكَ بِمَا عَـصَوْا وَكـانُـوا يَـعـــتَـدُونَ * كـانُوا لَا يَــتَـــنَــاهَوْنَ عَـنْ مُـنـكَـرٍ فَـعَـلُـوهُ ، لَـبِـئـسَ مَـا كـانُوا يَفْعَلُونَ ) ( الآيتان (78 ، 79) .

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.

مفتي محافظة خان يونس

الشيخ / إحسان إبراهيم عاشور

المصدر / فلسطين أون لاين