في الوقت الذي قررت حكومة الاحتلال اتخاذ جملة خطوات لدعم السلطة الفلسطينية التي تواجه خطر الإفلاس والانهيار، أصدر عدد من وزراء الحكومة ذاتها مواقف معارضة لما قررته، في ضوء رؤاهم الإستراتيجية الخاصة بطيّ صفحة السلطة، تمهيدا لحسم الصراع مع الفلسطينيين، وهو الموقف الذي يتبنّاه عتاة اليمين الذين يعدون الحكومة الحالية فرصتهم التاريخية التي قد لا تتكرر.
مع العلم أن هذه الرؤية التي دأبت أوساط اليمين الإسرائيلي على ترديدها تجاه السلطة الفلسطينية ليست مفاجئة أو جديدة، فقد دأبت على المطالبة الدائمة بتفكيكها وصولًا إلى انهيارها، بزعم أن ذلك يحقق المصلحة الأمنية الإسرائيلية، رغم أن وجودها يمنح هذه المصلحة مزيدا من الاستقرار والضمانات، وذلك باعتراف كبار أقطاب المؤسستين العسكرية والأمنية لدى الاحتلال.
يمارس رموز اليمين الفاشي الإسرائيلي على الحكومة الحالية مزيدًا من الضغوط للوصول إلى ذلك السيناريو الأكثر تفضيلا لها، بالتزامن مع صدور تقديرات متباينة تتخوف أن يسفر هذا الضغط الإسرائيلي على السلطة، بجانب تراجع شعبيتها، وتبدد نفوذها على الواقع الميداني في الضفة الغربية، عن نشوء واقع مماثل لما هو عليه الحال في قطاع غزة، من حيث سيطرة المقاومة هناك، على الرغم من عدم توافر الكثير من الشواهد التي تشجع حدوث مثل هذا الخيار.
اقرأ أيضًا: يفكرون بالفرار ويندبون حظهم
اقرأ أيضًا: حكومة اليمين تواصل مسارها التخريبي في دولة الاحتلال
رغم ذلك فإن إمكانية تحقق هذا السيناريو يعني استدراج دولة الاحتلال إلى واقع لا يطاق من هجمات مخططة ومنظمة تجمع بين الصواريخ على كفار سابا، والعبوات الناسفة في شوارع وطرق الضفة التي يسلكها المستوطنون، أمام تصدّع السيطرة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية الفعالة على ما يحدث.
في الوقت ذاته، تعمل محافل اليمين الإسرائيلي على الوصول إلى وضع يحصل فيه انهيار للسلطة بسبب فراغها الحكومي بسبب تراجع موازناتها المالية، وإخفاق أجهزتها الأمنية في العودة لبعض مناطق الضفة الغربية، ما سيتيح مجالًا للمناورة أمام قوى المقاومة، وفق تقدير الاحتلال الذي يتخوف من تعريض الأمن الإسرائيلي للخطر الشديد.
صحيح أن منطق اليمين الفاشي الإسرائيلي يسعى بكل قوة لمنع إقامة الدولة الفلسطينية، لكن في المقابل فإن سيناريو حلّ السلطة قد يصبح سيناريو الرعب الذي سيعيشه الاحتلال، لأن البديل حينها قد يتمثل بتفشي الفوضى في الضفة الغربية، وتورط الجيش من جديد في المستنقع الفلسطيني، وسيعود من جديد للقيام بدوريات في المدن الفلسطينية لملاحقة المقاومة التي ستنتعش مجددا.
هذا الاحتكاك اليومي بين الجيش والفلسطينيين سيكلفه ثمنا باهظا، وسيجعل النقاش الداخلي الإسرائيلي يعود إلى سنوات وعقود طويلة إبان أيام انتفاضة الحجارة، وفي هذه الحالة ستضطر سلطات الاحتلال لتوفير خدمات الكهرباء والمياه والتكفل بظروف معيشية معقولة لملايين الفلسطينيين، وهو الذي تخلص من هذا العبء من خلال اتفاق أوسلو الذي شكل إنجازا سياسيا إسرائيليا عزّ نظيره!