تطورات متلاحقة شهدها الاحتلال في الأيام الأخيرة، بدأت بعدوان على جنين، تخلله هجوم فدائي في تل أبيب، وبينهما استمرار الاحتجاجات ضد الانقلاب القضائي، وصدور المزيد من الأصوات الرافضة للانخراط في الخدمة العسكرية.
لقد زادت حالة الاستقطاب السياسي والحزبي التي يشهدها الإسرائيليون من مظاهر الانقسام الداخلي بينهم، وكأننا أمام قبائل عرقية متناثرة، تشهد اختلافات في الرأي وتناقضات وانقسامات، بما في ذلك الخطاب العنيف والفاضح والقاسي، بما في ذلك تعزيز الخلافات، بما في ذلك التعبيرات المهينة، والهجمات اللفظية الشخصية، وصولًا للاغتيال المعنوي لكثير من الشخصيات المعارضة للانقلاب القانوني، ووصل الأمر بأنصار الائتلاف اليميني الفاشي لوصف قادة الأجهزة الأمنية بأنهم ميليشيا "فاغنر"، جديرون بإلقائهم في مكبّ النفايات.
اقرأ أيضًَا: جنين عنوان للصمود وكسر غطرسة الاحتلال
اقرأ أيضًا: بين جنين والداخل المحتل.. مفاجآت يخشاها الاحتلال
تزامنًا مع كل ذلك، اجتازت الاحتجاجات والمظاهرات أسبوعها السابع والعشرين، مع تزايد أعداد الإسرائيليين، ووصولهم لمئات الآلاف، وتجمّعهم في جميع أنحاء المدن، وبات المشهد الإسرائيلي منقسمًا بين فوضويين وليبراليين، يمينيين فاشيين ويساريين خائفين، ينخرطون في الخدمة العسكرية، وآخرون يرفضونها، يدعون للانفصال عن الفلسطينيين، ويطالبون بالتراجع عن الانسحاب من أراضيهم المحتلة، يبحثون عن مسار سياسي للتخلص من أعباء الاحتلال لأنه فاسد مفسد، وآخرون يمضون في إفسادهم بتدمير المحاصيل الزراعية، وإحراق الأشجار، والبقاء في أراضي الفلسطينيين.
صحيح أن معظم المشاركين في الاحتجاجات والمظاهرات ليسوا فقط ليبراليين، ومعادين للائتلاف اليميني الفاشي، لكنهم يسعون أيضًا لإبرام تسوية مع الفلسطينيين، وإنجاز حلّ قابل للحياة، في المقابل، فإن معظم الساعين للانقلاب ينتمون للمعسكر الذي يحلم بضمّ الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا سيما في الضفة الغربية.
الخلاصة أن الإسرائيليين منقسمون، ويزداد انقسامهم وهم يرون قادتهم يقادون إلى السجون بتهم الفساد، وهم يمثلون أمام المحاكمة، وباتوا مدانين بارتكاب جرائم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، فيما الغالبية يواجهون معاناة جادة في كسب لقمة العيش، والحفاظ على مستوى معيشي معقول، على الأقل وفق المعايير الإسرائيلية، وليس الفلسطينية بالتأكيد، وهم يواجهون غلاء الأسعار الفاحش من مسئولي الائتلاف غير المنضبطين، وزيادة كلفة الرهون العقارية، والضرائب المرتفعة، وارتفاع أسعار الكهرباء والمياه، والبنوك التي تكسب المليارات من العمولات، وتغيير قيمة العملات.
لم يتوقف انقسام الإسرائيليين عند المسائل الواردة أعلاه، بل تعدّاه ليصل المحكمة العليا، التي تحوز على احترام قطاعات واسعة في صفوفهم، لكن عقودًا من حكم اليسار واليمين لم تشهد محاولات جادة لاستهدافها بصورة مركّزة وموجهة، حتى أتى الائتلاف الحالي الذي يمعن في إلحاق الأذى بالمحكمة، وإفشالها.
خلاصة المشهد الإسرائيلي المنقسم على نفسه يتمثل في وقوع المزيد من الخلافات بين الائتلاف والمعارضة، يومًا بعد يوم، وكأن الائتلاف والمعارضة يمثلان شعبين منقسمين، وليس فقط ذوي مشارب سياسية وتيارات حزبية، كما جرت عليه العادة طوال عقود من عمر دولة الاحتلال.