فلسطين أون لاين

تقرير فسيفساء فلسطين.. جمال ودقة وهي الأقدم عبر التاريخ

...
فسيفساء فلسطين.. جمال ودقة وهي الأقدم عبر التاريخ 
بيت لحم-غزة/ مريم الشوبكي:

تتميز أرضيات وجدران الكنائس والمساجد والقصور في فلسطين بلوحات فسيفسائية أخاذة، تتنوع أشكالها وألوانها، وهو فن يعود تاريخه إلى آلاف السنين، ويعطي لمحة عن الحضارات التي مرت على المنطقة عبر العصور.

ولا يزال حتى يومنا حتى يتم اكتشاف لوحات فسيفساء في فلسطين، كان آخرها اكتشاف أرضية فسيفسائية شمال قطاع غزة، وهي تضم 17 صورة أيقونية، لوحوش وطيور محفوظة جيدا وألوانها زاهية، كما يبين خبير ترميم الفسيفساء خلدون بلبول، الذي سنتعرف من خلاله على تاريخ الفسيفساء في فلسطين، وعمليات الترميم والمعالجة التي مرت بها.

الذهب يميزها

ويوضح مدير مركز فسيفساء بيت لحم أن الفسيفساء فن زخرفي، وهي قطع صغيرة من الرخام، أو الحجر الطبيعي والصناعي، والخرز، والزجاج، والصدف، والخشب، وترصُّ بشكل منمق ودقيق.

اقرأ أيضًا: "ريا موسى" تدمج الفن والعمارة في لوحات فسيفسائية

ويشير إلى أن الفسيفساء تركزت في القصور والكنائس والمساجد والمعابد الدينية، وبعض البيوت، ويعود تاريخها إلى القرنين الأول والثالث قبل الميلاد، وتتركز في الأرضيات كقصر هشام، والجدران والأسقف كالمسجد الأقصى، وكنيستي القيامة والمهد وتتميز باستخدام الذهب في تشكيلها.

وبين أن فسيفساء قصر هشام تعد الأكبر في العالم، بمساحة 827 مترا مربعا، وتقع بقصر الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك في مدينة أريحا، شرقي الضفة الغربية.

وتعد اللوحة كنزًا تاريخيًّا أثريًّا، وتتشكل من 38 سجادة فسيفساء متصلة، غنية بالتفاصيل الهندسية والنباتية والحيوانية، وصيغت ورسمت باحترافية، واستخدم في رسمها 21 لونًا من الحجارة.

ويلفت خلدون إلى أن فسيفساء جدران المسجد الأقصى تتميز بإدخال الألياف الذهبية، حيث تم رص الفسيفساء المصنوعة من الزجاج، ومن ثم ورق من الذهب وطبقة أخرى من فسيفساء الزجاج لحمايتها من عوامل الطبيعة، وعدم تغير لونها، بحسب بلبول.

وخلدون فنان يُعرف كخبير في إنتاج وترميم القطع الفنية الفسيفسائية، شارك في ترميم الكثير من المواقع الأثرية الفلسطينية، أهمها المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة، إضافة إلى مواقع أثرية في الأردن، مثل أم الرصاص ومقام النبي موسى، وسوريا في منطقة الشهباء، عدا عن المشاركة في مؤتمرات دولية حول هذا الفن.

ترميم ومعالجة

ولا يقتصر عمل خلدون على صناعة فن الفسيفساء، وتدريب آخرين لا سيما الأشخاص من ذوي الإعاقة والنساء، وإنما أصبح المركز اليوم حاضنة للأعمال الفنية المختلفة من إعادة تدوير القطع الحجرية والخشبية والحديدية، وحتى الرسومات الزيتية.

وعن الطريقة التي تتم فيها عمليات الترميم والمعالجة، يذكر أن مرمم الفسيفساء يشارك في حفريات التنقيب عنها، وبمجرد أن تتضح ملامح لوحة الفسيفساء يأتي دور المرمم بالتنظيف حول أطراف اللوحة بالفرشاة، ومن ثم تثبيت الأطراف بالشيد الهيدروليكي، وفي حال كان هناك مشاكل وانتفاخات في الفسيفساء يتم معالجتها من خلال حقنها وتثبيتها عدة مرات بالشيد حتى تحافظ على شكلها.

وينبه خبير ترميم الفسيفساء إلى أن الفسيفساء تتأثر بعوامل الجو كالرطوبة، والأملاح، والأمطار، ودرجات الحرارة، وطريقة معالجة كل مشكلة وترميمها تختلف من منطقة لأخرى حسب نسبة الرطوبة، والأملاح فيها.

وفي حال كان هناك قطع مفقودة من الفسيفساء يتم البحث عما إذا كان هناك رسمة مكررة لها في الأرضية، ويتم استكمالها من خلال وضعها في إطار زجاجي من أجل تميزها لتكون فاصلًا بين القديم والجديد.

ولكن في حال لم يعثر على رسمة مكررة، يتم تثبيت الرسمة الموجودة كما هي دون استكمالها لعدم وجود رسمة موثقة لها عبر التاريخ، كما هو الحال في كنيسة المهد.

اقرأ أيضًا: "سماح".. تَحبك بـ"الفسيفساء" لوحات تنطق جمالًا

وأما عمليات التوثيق للوحات الفسيفسائية، فيوضح خلدون أن الطريقة القديمة تتم بالنايلون من خلال تغطيتها به ومن ثم رسم الخطوط البارزة للرسمة، "وهي الطريقة بدائية تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، ولا تتمتع بدقة عالية".

التوثيق

ويتابع: "أما حاليًا فتتم بالتصوير الفوتوغرافي من خلال تثبيت الكاميرا على حامل ألمونيوم على ارتفاع متر ونصف على سبيل المثال، ويكون المرمم قد صنع شبكة من الخيوط، وبين مربعاتها يتم وضع إشارات حمراء لتحدد حجم قطع الفسيفساء وأبعادها، ومن ثم يتم معالجتها عبر برامج التصميم الهندسي على الحاسوب".

ويشدد على أن لوحات الفسيفساء تحتاج إلى ترميم دائم ودوري، لمتابعة الأضرار أول بأول قبل تفاقمها، مؤكدا على ضرورة وجود مرمم دائم في أهم الأماكن الأثرية التي تحتاج إلى تلك اللوحات مثل قصر هشام بن عبد الملك في أريحا الذي تعاني أرضيته من عدة مشاكل.

وما يميز المكتشفات الفسيفسائية الفلسطينية أنها من أقدم اللوحات حول العالم وأشهرها على الإطلاق، كما تمتاز بتناسق ألوانها، والدقة العالية في رصها، وفي الكنائس تتميز بلوحات الملائكة على الجدران، والحرم الإبراهيمي والمسجد الأقصى تتميز بالزخارف النباتية، والأشكال الهندسية، والآيات القرآنية، بخلاف التصوير الحيواني والإنساني الموجود في المعابد والكنائس والتي يحرمها الدين الإسلامي، وفق قول بلبول.