فلسطين أون لاين

هبة طنوس.. معمارية تصور ضجيج الحياة اليومية بـ"اسكتشات فنية"

...
المهندسة المعمارية هبة طنوس
رام الله-غزة/ مريم الشوبكي:

بسطات وعربات للخضار والفواكه يزدحم بها سوق "الحسبة" في رام الله وسط الضفة الغربية، توزعت بعشوائية، يتبادل أمامها الباعة والمشترين الحديث عن السعر والكمية. هذه الحياة اليومية صورتها المهندسة المعمارية هبة طنوس في رسومات فنية أسمتها "فوضى منظمة".

كانت طنوس تهوى الرسم التقليدي حتى تغيرت وجهتها نحو رسم الحياة اليومية في شوارع فلسطين، بعد دراستها الهندسة المعمارية، ومن ثم إكمال دراسة الماجستير في تخصص تخطيط المدن، فأصبحت ترصد مشاهد مدنها اليومية من أعلى، في لوحات تضج بالحيوية.

ضجيج الحياة

كما أن إقامة طنوس في قطر لفترة ليست بالقصيرة، جعل أصدقائها المغتربين يطلبون منها أن ترصد لهن بلوحاتها ضجيج الحياة اليومية في شوارع المدن، بعدما أُشبعنَ بصور الحروب والدمار والدماء.

بدأت المهندسة المعمارية بتوثيق الحياة اليومية في الشوارع لأصدقائها من مباني وأناس وأزمات مرورية ولافتات تملأ الشوارع، و"عجقة" طرقات.

تقول طنوس لـ"فلسطين": "اعتاد الفنانون على توثيق المعالم الرئيسية في المدن كالبلدة القديمة، والمسجد الأقصى، والأماكن التاريخية، والأثرية، وقلما كان هناك توجه منهم بتوثيق الحياة اليومية لتلك المدن".

وتشير إلى أن النزول للشوارع لتمثيل الحياة اليومية بالرسم بدأته من مدينتها رام الله قبل ثلاث سنوات في أثناء جائحة كورونا، ونشرها ما ترصده ريشتها على منصات التواصل الاجتماعي خاصة الانستغرام، إذ لاقت تفاعلًا من المتابعين والمغتربين والفنانين، وكذلك طلبة الجامعات الذين استفادوا منها بمشاريعهم في الجامعة؛ ما شجعها على المواصلة، والاستمرار.

وتعتز طنوس بمشروع "حسبة" رام الله التي رسمتها من أعلى، بزاوية أوسع ترصد فيها العربات، والبسطات المرصوصة بالخضار، والفواكه، وتظهر تفاعل الناس مع البائعين، والأكياس التي يحملونها، قائلة: "المدن والشوارع الفلسطينية فوضوية ولكن الناس وجدت فيها نظامًا معينًا، يغري أي رسام بنقلها، وتوثيقها".

بعض الرسومات لدى طنوس من الممكن أن تنتهي بعشر دقائق، وأخرى بحاجة لعشرة أسابيع لتصبح جاهزة، وبعض الرسومات الأخرى من الممكن أن تستغرق أربعة أشهر، مبينة أن ذلك يعتمد على كمية التفاصيل الموجودة.

وتلفت إلى أن إلهامها بالرسم يأتي من الطرقات فهي تخرج وترى ما بها من تفاصيل وحياة يومية، حيث تأخذ فيديوهات و"اسكتشات/ رسومات" بسيطة من الموقع والأصوات لأنها مهمة، ومن ثم تتبلور الفكرة لديها، وتبدأ بهذه الـ"الرسومات" عن طريق الرسم بالحبر، والألوان المائية.

وعن تفاعل الناس مع رسوماتها الفنية، تروي موقفًا: "في إحدى اللوحات رسمت الحياة في أحد شوارع نابلس، وأظهرت كل تفاصيله، ومعالمه، فإحدى الصبايا أخبرتني أنها كانت تذاكر في هذا المقهى الذي رأته في الصورة، وسيدة أخرى كانت تتسوق من أحد محلاته، وأخبرتني أنها مع مشاهدة "الاسكتش" تخيلت الأصوات، وزامور السيارات التي كانت تسمعها".

توثيق للحياة اليومية

وتفكر طنوس في استخدام تلك الرسومات كمادة توثيقية للحياة اليومية في شوارع فلسطين يمكن الرجوع إليها في أي زمن وأي وقت، بعيدًا عن نقل المشاعر فقط، وإنما توثيق تاريخي لحياة المدينة في العصر الذي تعيشه الآن.

وتذكر أنها رسمت "اسكتشًا" فنيًا لمدينة بيت لحم من أعلى، ركزت فيه على رسم تفاصيل وأزقة مخيم الدهيشة كما هي موضحة على الخريطة تمامًا، ومن ثم تنتقل لتظهر الفرق بين الاكتظاظ الذي يتخم المخيم، واكتظاظ المدينة.

لافتة أن هذا الرسم يمكن أن يُعتد به كرسم توثيقي لتاريخ المخيم، والتغيرات التي ستطرأ عليه بعد مرور عدة سنوات.

وتقوم طنوس حاليًا باستخدام رسوماتها الفنية كدروس توضيحية لطلبتها في الجامعة الأمريكية التي تحاضر بها، لافتة أن رسوماتها استُخدمت في بحوث، ودراسات جامعية، وكتب عن تاريخ فلسطين. 

وتطمح بتعزيز فكرة نقل الحياة اليومية من الشارع، وعقد ورشات عمل لطلبة، من خلال أخذهم في مسارات داخل المدينة، ورسم تفاصيلها.

وتحلم طنوس بعمل فني توثيقي كل المدن الفلسطينية، وحواجز الاحتلال، والتقاطعات بين مدينة وأخرى، وجدار الفصل العنصري، وغيرها من المشاهد اليومية.