عانت السيدة أماني مقداد (42 عامًا) أوضاعًا اقتصادية صعبة قبيل الحرب الإسرائيلية على غزة، دفعتها إلى إنشاء مركزٍ تعليمي شكّل لأسرتها مصدر دخل. ولم تكد الأمور تسير على ما يرام حتى جاءت الحرب، فأحالت مشروع عمرها إلى ركام.
بدأت حكاية مقداد، الحاصلة على شهادة البكالوريوس في آداب اللغة الإنجليزية ودبلوم في اللغة الفرنسية، حين عجزت عن الحصول على وظيفة ثابتة، إذ لم تنل سوى بعض العقود المؤقتة. ولم تكن الحال أفضل لدى زوجها، الذي كان يعمل مسعفًا متطوعًا لدى وزارة الصحة.
ومع اشتداد الضائقة الاقتصادية، أخذت مقداد تفكر بعمل يمكن أن يدر دخلًا، ولو بسيطًا، على أسرتها. وهنا قررت استثمار إتقانها للغتين الإنجليزية والفرنسية بإنشاء مركز تعليمي تُدرّس فيه طلبة المدارس الحكومية والخاصة، غير أن البداية لم تكن سهلة، لعدم امتلاكها رأس مال لبدء المشروع.
تقول مقداد: «كانت مجازفة، لكنها كانت ضرورية، لأن كثيرًا من الأهالي يرفضون إرسال أبنائهم، خاصة البنات، إلى بيوت المدرسين، ويفضلون وجود مركز تعليمي ذي عنوان واضح».
وتضيف: «يسّر الله أن هناك "حاصلًا" يعود لوالد زوجي لم يكن مستأجرًا آنذاك، وتمكن زوجي، رحمه الله، من تدبير بعض الطاولات والكراسي من أحد أصدقائه، وبدأت بإعطاء دورات تأسيسية لطلبة من مختلف المراحل، بما فيها الجامعية».
وتشير إلى أن المركز، خلال عامين، شهد نقلة نوعية، وأصبح يضم عددًا كبيرًا من الطلبة والطالبات، قائلة: «كنت سعيدة بهذا النجاح الذي بدأناه من الصفر، وأصبح الطلبة وذووهم يضغطون عليّ لتوسيع المركز وإعطاء دروس في مختلف المواد».
وتحت ضغط أولياء الأمور، ورغم ضيق المكان، وسّعت مقداد نطاق الدروس عبر التعاقد مع أساتذة في اللغة الإنجليزية والرياضيات، وذلك قبل الحرب بشهر واحد فقط. وتتابع: «كانت الأمور تسير على ما يرام إلى أن جاءت الحرب، فقلبت الحياة رأسًا على عقب».
في الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومع بداية الاجتياح البري الإسرائيلي لقطاع غزة، وأثناء ذهاب زوجها، بصفته مسعفًا متطوعًا، لإنقاذ أول سيارة نازحين من شمال القطاع إلى جنوبه، استهدفها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
تقول بأسى: «لم يكتفِ الاحتلال باستهداف النازحين، بل استهدف زوجي والطواقم الطبية المرافقة له. نُقل إلى المستشفى مصابًا وبُترت قدمه، وبعد يومين لم يكتشف الأطباء وجود شظية في صدره، أدت إلى مضاعفات انتهت باستشهاده».
وبعد استشهاد زوجها، أصبحت الحياة في منطقة القدس المفتوحة بمدينة غزة بالغة الصعوبة، لتبدأ رحلة نزوح مريرة مع أبنائها، تنقلت خلالها بين رفح ودير البلح. وتقول: «كان وضعي المادي في النزوح صعبًا للغاية، إذ لم يكن هناك أي مصدر دخل. حاولت الحصول على وظيفة، لكن دون جدوى».
وأثناء معاناتها في النزوح مع ثلاثة أطفال أيتام، أكبرهم يبلغ 14 عامًا وأصغرهم 9 أعوام، بلغها أن منزل عائلة زوجها الذي كانت تقيم فيه دُمّر بالكامل، فيما تعرّض المركز التعليمي لأضرار جسيمة.
ومع عودة السكان من جنوب قطاع غزة إلى شماله، لم تستسلم مقداد للواقع القاسي، فباشرت بتنظيف المركز والعودة إلى العمل فيه، بشكل أفضل مما كان عليه قبل الحرب، في ظل إقبال كبير من الأهالي على تعليم أطفالهم بعد الفاقد التعليمي الواسع خلال العام الأول من الحرب.
وتضيف: «لم يدم الاستقرار طويلًا، إذ نزح أهل غزة مجددًا إلى الجنوب، وهذه المرة فقدت حتى ما تبقى من مركزي، بعدما دُمّرت المنطقة بالكامل. وبعد عودتنا إلى غزة إثر إعلان اتفاق وقف إطلاق النار، ظل الأهالي يلحّون عليّ للعودة إلى تدريس أبنائهم».
وتوضح أنها حاولت الحصول على دعم لمبادرة تعليمية من مؤسسات مانحة، إلا أن جميعها اشترطت توفير مكانٍ مناسب، مضيفة: «لا أملك القدرة على توفير مكان أو استئجاره، لكن تحت إلحاح الناس عدت للعمل في بيت أهلي، حيث أقيم في شقة مقصوفة لم يتبقَّ منها سوى ربعها».
وتختم بالقول: "أُدرّس طلابي على الأرض، فلا إمكانيات لدي ولا أثاث، ولم أستطع أخذ شيء من منزلي. لكن لا خيار آخر أمامي، فأنا مضطرة للعمل لتأمين احتياجات أبنائي، وأتمنى من المؤسسات المانحة دعمي للوقوف من جديد وتغطية احتياجات أسرتي دون الحاجة لأحد".

