للأسبوع الثالث والعشرين على التوالي يواصل الإسرائيليون تظاهراتهم ضد الانقلاب القانوني، ووصلت تبعاتها إلى الولايات الأمريكية في الأسابيع الأخيرة، وآخرها ما حصل في ولاية بوسطن حين أعيق انعقاد محاضرة لوزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات، بجانب المُلاسنة غير الدبلوماسية بين وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين ونائبة الرئيس الأمريكي كاميلا هاريس حول الأزمة ذاتها، مما يعني مزيدًا من التوتر في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية التي تواصل تنفيذ انقلابها القضائي، وإن بوتيرة أخفّ، تجنّبًا لمزيد من ردود الفعل الدولية.
صحيح أن مزيدًا من تدهور العلاقات الامريكية الاسرائيلية قد لا يهم كثيرًا معظم أعضاء الائتلاف اليميني الحاكم، باستثناء رئيسه بنيامين نتنياهو الذي يعتقد أن علاقاته مع البيت الأبيض تحوز على أهمية كبيرة، ولا سيما في ضوء استمرار اتصالات أعضاء الإدارة الأمريكية مع معظم وزرائه باستثنائه هو، ما يكشف عن إهانة يصعب عليه تجرعها.
واضح أن حكومة الاحتلال لم تأخذ المواقف والتحذيرات الأمريكية من الاستمرار قدمًا في الانقلاب القضائي على محمل الجدّ، والآن ها هي تجد النتيجة صعبة ومدمرة على صعيد علاقاتهما، لأن الاحتلال لا يمكن له أن يفقد الدعم الأمريكي خاصة وأن انتقادات بايدن الحادة المتواصلة لنتنياهو وحكومته كشفت بما لا يدع مجالًا للشك أن الإدارة الديمقراطية غاضبة من الحكومة اليمينية لعدم وفائها بوعودها، بل استخفت وتجاهلت التحذيرات المباشرة التي سمعها معظم وزرائها من فم الرئيس وكبار مساعديه للشؤون الخارجية والأمنية.
أكثر من ذلك، فإن ردود الفعل غير المسؤولة والاستفزازية من الوزراء وأعضاء كنيست الائتلاف فاقمت الأزمة، وبالرغم من وصف بايدن لنفسه بأنه أحد أعظم أصدقاء (إسرائيل)، فقد تقدّم بانقلابه القانوني تقدمًا تعسفيًا، في تحدٍّ ومكابرة للاحتجاجات الجماهيرية، وتهديدات آلاف جنود الاحتياط بعدم الانخراط في الخدمة العسكرية.
لا يخفي الأمريكيون حقيقة أن نتنياهو لا يمكن الوثوق به، ولعل إقالة وزير حربه يوآف غالانت، التي تراجع عنها، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير الأمريكي، بعد أن مثّل الأخير للأمريكيين الجانب الأكثر "اعتدالًا وواقعية" في حكومة نتنياهو، على عكس "سموتريتش" و"بن غفير"، ودأب نظيره الأمريكي الجنرال لويد أوستن على التحدث معه بنفس اللغة العسكرية والأمنية.
خلاصة التوتر الاسرائيلي الأمريكي بسبب الانقلاب القانوني تتركز في تساؤل الإدارة عن أي من الخيارين التاليين هو الأسوأ: ما إذا كان نتنياهو، خلافًا لوعوده، لا يسيطر على حكومته، والمتطرفون يسيطرون عليه، أو ما هو أسوأ من ذلك، أنه يسيطر عليهم، وهو الذي يملي توجيه الرسائل المعادية لأمريكا، وإلى أن تتضح الإجابة الحقيقية فإن بايدن لن يدعو نتنياهو لزيارة رسمية لواشنطن حتى إشعار آخر.