فلسطين أون لاين

نهاية السنة الدراسية وتمزيق الكتب المدرسية

في نهاية السنة الدراسية، يمزق طلاب المدارس كتبهم المدرسية، وينعفون الورق على طول الشارع وعرضه، في منظر بائس لا يعكس بؤس حياة طلاب المدارس، بمقدار ما يعكس حالة تأفف الطلاب وأولياء أمورهم من العملية التعليمية برمتها، والتي تعتمد على حشو المعلومات في ذهن الطالب، مع كثافة المواد التي لا تراعي سن الطالب، ولا تراعي الظروف الحياتية، والأحوال الشخصية.

إن سلوك الطلاب في نهاية السنة الدراسية تجاه الكتاب المدرسي هو انعكاس لسلوك أولياء الأمور، ولاسيما الأم، فما ضاق الطالب ذرعًا بالمدرسة، وما مزق الكتاب إلا بعد أن ضاقت الأم تعبًا بحجم الأعباء الملقاة على كاهلها طوال فترات الدوام المدرسي، فالأم هي المطالبة بالتواصل مع المدرسة، ومع مشرفي البرامج التعليمية، والأم مكلفة بمتابعة الواجبات الملقاة على عاتق الأبناء، وبعضهن تقوم بالتحضير للدروس مع أبنائها، وبعض الأمهات تسهر على حل الواجب نيابة عن أبنائها، وكل ذلك الجهد لا يحول دون المرأة والقيام بواجباتها البيتية المعهودة، وهي تنتظر نهاية العام الدراسي بشوق وشغف أكثر من طلاب المدارس.

تمزيق الكتب المدرسية في نهاية السنة الدراسية ظاهرة تستوجب الدراسة، وتفرض على القائمين على عملية التعليم الإجابة على السؤال الصعب:

لماذا يمزق الطلاب كتبهم المدرسة بهذا الشكل في نهاية السنة الدراسية؟ لماذا ينتقم الطلاب من الكتاب، فيقطعونه إربًا، ويلقون بالأوراق على الأرض بفرحٍ غامرٍ؟ وهل تمزيق الكتب تنفيس عن مخزون كبت تكدس على مدار السنة الدراسية؟ أم هو الرفض للنماذج التعليمية، وللأساليب التربوية؟

إن منظر الكتب المدرسية المتطايرة في نهاية السنة لتفضح جوهر العملية التعليمية، وتحض المسؤولين على صياغة أساليبهم التعليمية بما يواكب روح العصر، فالطالب في هذه الأيام يختلف كثيراً عن الطالب قبل خمسين سنة، حين كانت وسيلة التعلم الوحيدة هي الكتاب، وحين كانت وسيلة الحصول على المعارف تمر من بوابة المدرسة، لقد انفتحت المجتمعات في هذا العصر على شتى وسائل المعرفة والتعلم، فالعلم الذي كان يصعب الوصول إليه إلا بمشقة وسفر، وبعد ملازمة للمعلم على مدار الوقت، صار يمكن الوصول إليه بضغطة زر على جهاز الكمبيوتر، والمشهد الذي كان يحتاج إلى خيال خارق لإدراكه وتصوره، صار في متناول العين؛ مجرد النظر إلى الأجهزة الحديثة، إنه الزمن المتحرك مع غزارة المعلومات، وتنوع العروض التي سلبت الألباب، وخطفت الأبصار، بينما ظل الكتاب المدرسي حبيس الزمن الجامد، والمشاهد الصامتة.

تمزيق الطلاب كتبهم المدرسية في نهاية العام الدراسي منظر غير حضاري، وسلوك يتنافى مع منهاج التعليم، ومع التعاليم الدينية والتربوية، ومشاهد الأوراق المتطايرة تسيء للمجتمع، وقد نشرت بعض البلديات مناشدة للطلاب بعدم تمزيق الكتب في نهاية السنة الدراسية، ولا يكفي أن يتحدث المدرسون والمدرسات للطلاب عن مساوئ هذه الظاهرة، وعليهم أن يجمعوا الكتب البالية، ليحرقوها، كما كانت تفعل المدارس قبل عشرات السنين، وعلى أولياء الأمور سؤال أبنائهم عن الكتب المدرسية في نهاية السنة، وأين ذهبت؟ وعدم الاكتفاء بالحض على عدم تمزيقها، فإذا أدرك الطالب أن ولي أمره سيسأله عن كتاب اللغة العربية، وعن كتاب الحساب، فبكل تأكيد سيحافظ عليه، لأن احترام الكتاب دليل على احترام المعلومة التي وردت في الكتاب، واحترام الكتاب دليل على احترام المدرس الذي اجتهد لنقل معلومة الكتاب، واحترام الكتاب دليل على احترام ولي الأمر الذي أنفق ماله وجهده على أبنائه، بهدف حصولهم على معلومات الكتاب.

المسؤولية يتحملها الجميع، والتصدي لظاهرة تمزيق الكتب المدرسية أعمق من نظافة الشارع، إنها نظافة العقول، وإذا كان لكل داء دواء، فإن ثقافة المجتمع عمومًا، هي الدواء الشافي لظاهرة تمزيق الكتب المدرسية.