مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، عاد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى وسط المسرح السياسي، بطريقة تذكّر الجمهور الإسرائيلي، بمن هو رئيس الوزراء، مع أن الضربة الأولى لم تتسبب باغتيال قادة المقاومة فقط، ولكن أيضًا فاجأ شركاءه في الحكومة، ولا سيما "إيتمار بن غفير" الذي ظهر في حالة إقصاء لا تخطئها العين عن المداولات الحكومية الخاصة بالعدوان.
يستعيد الاسرائيليون ما حصل فجر الثلاثاء الماضي، حين سقطت ثلاثة صواريخ على منازل قادة الجهاد الاسلامي العسكريين، وحينها تغيرت معادلة واحدة في دولة الاحتلال، بجانب المعادلة الأمنية العسكرية، لأنه بعد قرابة خمسة أشهر صعبة في منصبه، ذهب فيها نتنياهو إلى جميع الأماكن الخطرة التي استدرجه إليها شركاؤه في الائتلاف، وفجأة جاءت نقطة التحول، وظهر في ضربة واحدة، وعاد الى الصورة التي دأب على ترويجها لنفسه، بأنه "سيّد الأمن".
هذا لا يخفي ما أحاط بالحكومة ورئيسها من استهزاء لم تتوقف المعارضة عن توجيهه إليهما، ولا سيما وهي التي ما تزال تنزف بوتيرة مذهلة منذ أن بدأت تتعامل بقلق شديد مع الانقلاب القانوني، وسط إهمالها للحياة اليومية للإسرائيليين، وتكاليف معيشتهم، التي باتت محفوفة بالمخاطر بسبب الوضع الأمني، والهجمات الفلسطينية المستمرة التي أدت في مجملها إلى تآكل الدعم العام له.
صحيح أن الهدف الأساسي للعدوان الاسرائيلي على غزة لم يكن تحسين مواقع نتنياهو الشخصية في الحكومة، لأن هذا العدوان وخططه الأساسية كانت مطروحة على الطاولة منذ أسابيع، ولكن من المستحيل تجاهل أبعاده السياسية والحزبية الداخلية، ولا يمكن فصل توقيت اندلاع العدوان عن جهود المعارضة في الأشهر الأخيرة بحملة نزع الشرعية عنه، ولذلك من غير الوارد تصديق فرضية أن نتنياهو فصل بين أداء الجيش العملياتي "الخارجي" والتحولات السياسية "الداخلية" التي يعيشها الأخير.
ليس سرّا أنه في أيام العدوان الخمسة الدامية على غزة، سعى نتنياهو، ولعله نجح بذلك، أن يذكّر الرأي العام الإسرائيلي بأنه، وليس سواه رئيس الوزراء، حتى أنه لأول مرة منذ مدة طويلة، وقف في مركز الصدارة، بجانب وزير الحرب يوآف غالانت، الذي اضطرّ للتراجع عن قرار الإطاحة به تحت ضغط الشارع الإسرائيلي.
مع العلم أن خلافهما بقي دون حلّ، ولم يعد نزاعًا سرّيًا، بالرغم من أنهما عملا معًا، وبالتنسيق، ونشرت صورهما المشتركة، وحتى عبارات الإشادة والمجاملة التي وجهها كل منهما للآخر، لكن خلف الكواليس هناك دماء سيئة، ولا يبدو أن نتنياهو سيغفر لوزيره ذلك الإحراج الذي سبّبه له، ما يعني بقاء الاستياء المتراكم بينهما، الأمر الذي قد يفسح المجال للكشف عنه بعد انقشاع غبار العدوان عن غزة.