على جانب الطريق العام في بلدة عنبتا شرقي مدينة طولكرم، تجلس وجيهة فقها في محلها المتواضع، تقضي ساعات يومها سعيًا وراء رزقها، وتحافظ على كل موروث قديم من المنتجات الغذائية كالمخلَّلات، والأكلات التراثية التي تصنعها بالطريقة التقليدية دون مساعدة من أحد.
أثبتت فقها أن العمر مجرد رقم، فهي لا تزال منذ 26 عامًا تستيقظ من الثالثة فجرًا حتى التاسعة مساءً تصنع المخلَّلات بأنواعها حتى لقبت بـ"ملكة المخللات"، وتعد الطعام الجاهز للسيدات العاملات كالمسخن، ومحشي الدوالي (ورق العنب)، والزعمطوط، والمقلوبة، والعكوب، والمفتول، وغيرها، وتبيع الزعتر، والسماق البلدي، وتتوجَّه به نحو محلها مع ساعات الصباح الأولى.
عشقت الحاجة وجيهة (76 عامًا) العمل، فهي منذ صغرها أحبت مهنة التمريض، وعملت في عيادات مدينة طولكرم، إلا أن ضغوط عائلتها دفعها إلى ترك المهنة، فتعلَّمت الخياطة والفلاحة، ومع تقدّم العمر تركتهما "لأني لم أعد أتحمَّل المشقة".
حبها للعمل لم يخفت، فبحثت عن مصدر رزق آخر، ففكرت بالاعتماد على تصنيع المخلَّلات والأكلات التراثية الفلسطينية التقليدية في بيتها، والمشاركة في المعارض في أنحاء الضفة الغربية، حيث لاقت رواجًا كبيرًا من الزبائن، حتى سافرت منتجاتها إلى الدول العربية، والأوروبية.
الانطلاق إلى السوق
تقول الحاجة وجيهة لـ"فلسطين": "في عام 1995 زارني وفد من وزارة الزراعة، وذهل من مستوى جودة الإنتاج الغذائي الذي أقوم به وحدي، ونصحني بالمشاركة في دورات تصنيع غذائية من أجل تأهيلي للمشاركة في معارض زراعية نموذجية، وبالفعل شاركت في دورة مدَّة ستة شهور بعنوان (العمل مقابل الغذاء)، وفي دورات مختلفة لتعليب مخلل الخيار والمأكولات الشعبية المختلفة".
وتضيف: "افتتحت مؤسسة كير الدولية لي معرضًا لمدَّة ثلاث سنوات في مدينة طولكرم لعرض منتوجاتي بأصنافها المختلفة، ولقيت إقبالًا كبيرًا، وكانت هذه نقطة البداية لتسويق منتجاتي في السوق الفلسطيني".
وتشير الحاجة وجيهة إلى أنه ما بين العام 1995 إلى 2000 شاركت في العديد من المعارض الزراعية على مستوى الوطن بالتعاون مع وزارة الزراعة، ما كان له الأثر الإيجابي في تسويق منتجاتها في مختلف مناطق الضفة.
وتلفت إلى أن مشاركتها في المعارض الزراعية كان له أثر كبير في تسويق وبيع منتجاتها بنسبة 90%، أما النسبة الباقية فتوزع مجانًا على الأصدقاء والمقربين لها من أجل تشجيعهم على تناول منتجاتها.
وبحسب الحاجة وجيهة فإن ارتباط النسوة بمذاق منتجاتها من الأكلات والمخلَّلات، يجعلهن يتواصلن معها شخصيًّا والطلب منها إعداد ما يشتهين من الأكلات التراثية القديمة، وهنا كان لا بد أن تستعين بنسوة ليساعدنها في إعداد الكميات المطلوبة في الوقت المحدد.
وتذكر أنها تشارك في أي معرض للمنتجات الغذائية يتم الإعلان عنه في أنحاء الضفة، حيث شهدت منتجاتها إقبالًا واسعًا من المستويات النخبوية في المجتمع من الوزراء، والسفراء الأجانب أيضًا.
وتردف: "بعدما ذاع صيت منتجاتي في كل أرجاء طولكرم والضفة الغربية، فضلت أن يكون لي محل يقصده كل من عرف بمذاق طعام الحاجة وجيهة الذي يذكرهم بأكل أمهاتهم، وجداتهم القديم، حيث لا أضع أي مواد حافظة عليه، وأصنع المخلَّلات حسب الطلب قليلة الملح، أو بدون خل".
أصناف غذائية مختلفة
وتتنوَّع منتجات الحاجة وجيهة كمخلَّل الخيار، والفلفل، والزيتون المحشي المشكل، بأصناف مختلفة، ورب البندورة، والبندورة الجافة، والمكدوس، والفريكة، وخل التفاح، والفلفل المطحون (الشطة)، والليمون المحشي، واللبنة، والكيك، بالإضافة إلى المعجنات والكعك والغريبة، والدجاج المشوي، والتبرع أيضًا في تفريز بعض المنتجات كالملوخية، وورق العنب، والبامية، والبازيلاء.
وتصر السيدة السبعينية على مواصلة عملها في تصنيع المخللات، والأكلات التراثية على الرغم من تقدّمها في العمر، فهي تؤكد أنها تفضل إعدادها بنفسها دون الاستعانة بأحد لكي تصنعه بنفس عالٍ، فعلى حد وصفها: إن "كثرة الطبَّاخين تحرق الطبخة".
وعن قصة إطلاق لقب "ملكة المخلَّلات" عليها، تروي: "كنت أشرك في معرض تعقد الغرفة التجارية في طولكرم، وحضر مسؤول من تركيا، وحازت منتجاتي على إعجابه فابتاع الكثير منها، ومن حينها يلقبونني بملكة المخلَّلات".
وتصر الحاجة وجيهة أن تحتفظ بأسرار طريقة تخليلها للخضراوات، لكي تبقى مقصدًا للذواقين من طولكرم، والخليل، وبيت لحم، وجنين، والقدس، والداخل المحتل.