يعتبر كتاب صحافة المواطن زمن اندماج وسائل الإعلام إنتاجا علميا مهما في مجال دراسة صحافة المواطن في فلسطين والعالم العربي إذ يقدم الكتاب أمثلة لصحافة المواطن إضافة إلى دور التطورات التكنولوجية في تطورها في ظل التحولات الإعلامية الحديثة.

عندما بدأت في كتابة هذا المقدمة، تذكرت التعليقات النقدية التي تلقيتها عند نشر أول مقال علمي لي حول صحافة المواطن في كتاب منشورات اتحاد إذاعات الدول العربية. كنت أدافع في ذلك المقال عن السلطة الخامسة، أي سلطة المواطن، نظرًا لأنني شهدت الثورة التونسية في 14 يناير 2011 ورأيت دور المواطن في نقل الأخبار وتطور الصحافة المواطنة مع تقدم وسائل التواصل الاجتماعي وقدمت دورات تدريبية مجانية بمختلف جهات تونس لمواطنين إيمانا مني بأهمية التقيد بأخلاقيات المهنة عند نقل الخبر مهما اختلفت وسائط الاتصال، ولكني توقفت لحظة لأنظر إلى نفسي الآن في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لا يعتمد شعبها على وسائل الإعلام التقليدية لمتابعة الأخبار، بل يتم ذلك عبر منصات التواصل الاجتماعي إذا وُجدت، حيث لم تعد وسائل الإعلام ذات أهمية كبيرة، ونحن أيضا في عالمنا العربي، نتجه الآن نحو الاستغناء عنها في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مؤسساتنا الإعلامية.

وأنا متيقنة تماماً أن الدكتور أحمد يونس محمد حمودة واجه نفس الانتقادات عندما انطلق في صياغة مشروعه البحثي، فكيف يمكن لباحث في مجال الإعلام أن يدافع عن صحافة المواطن؟ ولكن كما نعلم، الباحث الفعلي هو الشخص الذي يدرس ويستكشف موضوع ما بشكل عميق وشامل، وفي سياق النقاش حول الصحافة، الباحث الفعلي هو الشخص الذي يدرس ويحلل التطورات في الصحافة ويحاول فهمها بشكل عميق ومستقبلي. وبما أن النموذج الكلاسيكي للصحافة قد تغير بشكل كبير مع تقدم التكنولوجيا وتغير ثقافة الاستهلاك الإعلامي، فعلى الباحث في مجال علوم الإعلام والاتصال أن يسعى إلى دراسة هذه التطورات وتحليلها بعناية لفهمها بشكل أفضل.

وبالتالي، يمكن أن يساعد هذا الباحث في تطوير النماذج الحالية للصحافة وتحسينها بما يتناسب مع تطلعات الجمهور والمجتمعات ولكن أيضا في فهم جمهور وسائل الإعلام. وهو ما تفطن اليه الدكتور أحمد يونس محمد حمودة الذي اعتاد على مواكبه اخر التطورات في مجال الإعلام في أبحاثه المنشورة حتى يساهم في تطور المشهد الإعلامي ببلده.

ومما لا شك فيه أن الظروف السياسية التي يمر بها فلسطين جراء الاحتلال الإسرائيلي تجعل البيئة الإعلامية مختلفة عن الدول العربية الأخرى، مما يعزز دور صحافة المواطن. فعندما تحدث هجمات مفاجئة وغارات وتفجيرات، قد لا يكون هناك صحفيون مهنيون في المكان لتغطية الأحداث، ولذلك يأتي دور المواطنين في توثيق الأحداث ونقلها للعالم. وقد ساعدت صحافة المواطن في فلسطين في توثيق العديد من اللحظات المهمة في تاريخ القضية الفلسطينية والاعتداءات الإسرائيلية.

لهذا يعرض هذا الكتاب تحليلات ودراسات للأدوات والتقنيات المستخدمة في صحافة المواطن في فلسطين، ويتناول أيضًا العلاقة بين الصحافة المهنية وصحافة المواطن، ودور الأخلاق والضوابط الأخلاقية في تطوير صحافة المواطن. كما يسلط الضوء على التحديات التي يواجهها الصحافيون المواطنون في فلسطين، بما في ذلك قيود الحرية الصحفية وتعقيدات الوضع السياسي، ولكنه يبحث أيضًا في الحلول المقترحة لمواجهة التحديات. بشكل عام، يعدّ كتاب صحافة المواطن زمن اندماج وسائل الإعلام مرجعًا هامًا للباحثين والمهتمين بمجال الإعلام والصحافة في فلسطين، ويعرض بشكل شامل ومفصل تحليلًا لتطورات صحافة المواطن في المنطقة.

وما أحوجنا إلى كتاب كهذا في عالمنا العربي خلال هذه الفترة لفهم الدور الحيوي الذي تلعبه صافة المواطن في نقل الأحداث والأخبار وتوثيق الحقائق التي قد لا تظهر في وسائل الإعلام التقليدية، إذ يساهم مواطنو العالم العربي على توثيق الأحداث المحلية والإقليمية والدولية من وجهة نظرهم الخاصة، ويتيح لهم الفرصة لنشر ما يريدونه دون تدخل من الحكومات أو وسائل الإعلام التقليدية. كما يمكن لصحافة المواطن تقديم وجهات نظر متعددة حول القضايا المحلية والإقليمية والدولية، مما يسمح للجمهور بالحصول على وجهات نظر متنوعة حول القضايا المهمة. وخلال مناسبات عديدة، ساعدت صحافة المواطن على الكشف عن الفساد والانتهاكات في المؤسسات الحكومية والخاصة، وهذا يمكن أن يحد من هذه الأنشطة ويزيد من الشفافية في مجتمعاتنا العربية.

كما أن صحافة المواطن تعتبر عاملا محفزا للمشاركة المدنية والتعبير عن الرأي في الشؤون المحلية والإقليمية والدولية، وهذا يساهم في تعزيز الديمقراطية في المجتمع، الأمر الذي دفعنا إلى تأسيس موقع "ماذا يحدث؟" أول موقع مهني لصحافة المواطن بالعالم العربي وافريقيا، بعد أن لاحظنا رغبة المواطن التونسي في نقل أحداث جهته، فما بالكم بالمواطن الفلسطيني الذي يعاني كل يوم من الاحتلال الاسرائيلي. وهذا ما اكتشفناه خلال مطالعتنا لهذا الكتاب عبر المقابلات التي اجراها الباحث مع عدد من الشخصيات الإعلامية المهمة بفلسطين، فحتى الصحفيون أصبحوا على دراية اليوم بأهمية صحافة المواطن خلال الأزمات.

خلاصة القول، إنّ هذا الكتاب يمثّل مصدرًا قيّمًا للمعلومات والمعرفة، حيث يسلّط الضوء على موضوع مهمّ وحيوي في مجال الصحافة في عصر اندماج وسائل الإعلام. إنّ هذا العمل العلمي يتميّز بالدقّة والتأنّي في البحث والتحليل، ما يجعله مرجعًا لا غنى عنه في هذا المجال، وهو شيء تعودنا عليه من قبل الدكتور أحمد يونس محمد حمودة خلال كتاباته في مجال علوم الإعلام والاتصال.