مرهقةٌ هي أيام رمضان بالنسبة للسائقين بالضفة الغربية في ظل حواجز الاحتلال التي تقطع أوصال المدن والقرى، وتجعل من مهنة السياقة أمرًا بالغ المشقة، فيصبح الوصول لتناول وجبة الإفطار مع العائلة حلمًا بالنسبة للسائقين الذين ينقلون الركاب من وإلى داخل المدن والقرى.
أمضى نادر الساوية "56 عاماً" أكثر من خمسة وعشرين عامًا في عمله سائقًا عموميًا على طريق الساوية–نابلس، حتى أصبحت حواجز الاحتلال جزءًا أصيلًا من حياته اليومية، "فقد شهدتُ الانتفاضتيْن الأولى والثانية، كثيرًا ما بتُّ في العراء، وبين الجبال بسبب إغلاق الحواجز".
ويحمل نادر همّ الحواجز بمجرد أن يفتح عينيه صباحًا، إذ ينطلق إلى عمله باكرًا جدًّا؛ علّه يتمكن من تجاوزها ويحالفه الحظ بالوصول في الوقت المناسب للمكان الذي يقصده.
وباتت الحواجز جزءًا أصيلًا من واقع الضفة الغربية والحياة اليومية للمواطنين تنغص صفو يومهم، فالمشوار الذي يستغرق قرابة عشر دقائق، يقطعه نادر في ساعة ونصف، وأحيانًا أكثر من عشر ساعات إذا ما كان هناك إغلاق فجائي للحواجز.
هذه الصعوبات لا ينقص شيءٌ منها في شهر رمضان المبارك الذي لا تقيم له سلطات الاحتلال الإسرائيلي أي حُرمة، "فالحواجز والمنغصات كما هي، وهذا يعكر أجواء شهر رمضان بالنسبة لنا في الضفة، فمعركتنا مع الحواجز تحرمنا من الاستمتاع بالشهر الفضيل".
وما يزيد الأمر سوءًا على طريق الساوية–نابلس أنها غير مطروقة من المستوطنين، "لذلك فإن جنود الاحتلال لا يبالون فقد يوقفون سيارة في منتصف الطريق ويعطلون السير لعدة ساعات، أما في حال كان الشارع يسلكه المستوطنون فإنهم حتى لو أرادوا تفتيش سيارة يوقفونها على جانب الطريق كي لا يعطلوا تنقل المستوطنين".
نخوة
ويعود نادر بالحديث لرمضان الفائت، عندما خرج يومًا في مشوار قرابة الساعة الثانية والنصف ظهرًا على أنْ يعود لبيته قرابة الثالثة عصرًا، ولكنه عاد فجر اليوم التالي إثر إغلاق الاحتلال للطريق فجأةً.
ويضيف: "رغم مشقة الصيام أخذنا نحن السائقين نبحث عن طرق أخرى، كانت جميعها مغلقة، فالركاب الذين لهم أقارب في نابلس عادوا أدراجهم إليها، أما طلبة الجامعة فاضطروا للبقاء معنا في السيارات طوال هذا الوقت".
هنا تتجلى في هذه المواقف "النخوة" بين المواطنين، "فعادةً يكون المواطنون قد اشتروا بعض الحلويات والفواكه ليعودوا بها لبيوتهم وقت الإفطار، فيوزعونها على المحجوزين معهم، ليكسروا صيامهم (...) وبمجرد أن يعلم أهل القرى الموجودة حول الطريق بأنْ هناك إغلاقًا للحاجز، يهرعون لتزويدنا بالماء والتمر وما يجودون به من طعام لتخفيف وطأة الانتظار علينا".
الإفطار على مائدة واحدة مع العائلة في رمضان – بالنسبة لنادر- يعتبر حلمًا، "فمن النادر أن أجتمع مع عائلتي على مائدة واحدة بسبب حواجز الاحتلال التي تعرقلني غالبًا عن الوصول في الميعاد المناسب".
ويمضي القول: "حتى الزيارات الاجتماعية في رمضان فهي في أضيق نطاق، بالنسبة لي ولغيري من الناس، فالتنقل بين الساوية ونابلس أمرٌ يحتاج لكثيرٍ من التفكير، يتصلون بي مرارًا ويسألونني عن الطريق وهل يوجد عليها أي عراقيل؟ فإذا طمأنتهم فإنهم يخرجون للزيارة ولكن ذلك لا يعني أنهم بالضرورة سيعودون في الوقت المناسب، فقد يعرقلهم حاجز مفاجئ".
تقطيع أواصر العائلات
ويشمل تأثير تلك الحواجز جميع مناحي الحياة في الضفة الغربية، سواء التعليمية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، فالاضطرار للخروج للعمل في وقت مبكر جدًّا هو أمرٌ شائع لدى جميع الموظفين الذين تقتضي طبيعة عملهم التنقل من قرية لأخرى أو من مدينة لأخرى، كما يبيّن الصحفي محمد أبو ثابت من "بيت دجن".
ويشير محمد إلى أن الناس في ريف نابلس يعانون معاناة كبيرة مع الحواجز الكثيرة التي تفصلهم عن المدينة، "فمجرد أي إغلاق لأحد تلك الحواجز يعني عزل عشرات الآلاف من الناس عن محيطهم الخارجي بما فيها تلقي الخدمات الطبية".
ويزداد الوضع سوءًا في رمضان، إذ يتعمد الاحتلال إذلال المواطنين وعرقلة تنقلهم، بجانب أن الجنود على الحواجز يتعمدون تناول الطعام والشراب أمام آلاف الصائمين الذين يكونون محتجزين بفعل إغلاقهم للحواجز.
ولا يعد منع التنقل الجريمة الوحيدة التي يرتكبها الاحتلال بحق المواطنين على الحواجز فهم يكونون عرضة للقتل والاعتقال، والتفتيش المهين، ما يجعل أي إنسان يفكر مرارًا قبل أنْ يقدم على خطوة زيارة أقارب له في نابلس وتناول الإفطار معهم.
ويضيف أبو ثابت:" فما يمكن أن أتعرض له على الحواجز واحتمالية عدم قدرتي على العودة لمنزلي يجعلني أحجم عن أي زيارات عائلية في الشهر الفضيل، كما أنه لا أحد يجرؤ هنا على العودة في وقت متأخر من الليل فقد يتعرض لإطلاق نار بحجة أنه ينوي تنفيذ عملية فدائية".