هي كلماتٌ لا بد وأن يعقلها القلب؛ كلماتٌ تنتشلنا من عالم الزيف الذي نعيشه؛ يكفينا أن نكون صادقين مع الله ومن ثم مع أنفسنا حتى ندرك حقائق الحياة.. وحقيقة من نكون:
مما جمعناه للشيخ محمد راتب النابلسي من موسوعته الشهيرة:
الله جل جلاله وحده هو القوي ، ولا قوي سواه ، وكل قوة في الأرض في الذوات والأشياء مستمدة من قوة الله ، تأييداً أو استدراجاً ، أو تسخيراً ، لحكمة بالغة عرفها من عرفها ، وجهلها من جهلها.
***
عليك ألاّ تتردّد لحظة في الانتساب لعضوية نادي الأقوياء ، فلديك عملاقٌ ينام بين جنبيك فابحث عنه ، حتى لا تموت وأنت تعيش بين الأحياء.. قد تبدو ضعيفاً لأنك قبلت أن تكون ضعيفاً ، فعشْ كما تريد، ولكن لا بد من أن تعلم أنه بإمكانك أن تصبح قوياً ، وأن تتعافى من شعورك بالضعف.
إن الأقوياء بالحق هم السعداء، والضعفاء بالباطل هم التعساء، واعلم يقيناً أن الشيء الذي لا تستطيعه هو الشيء الذي لا تريد أن تكونه.
***
دخل سليمان بن عبد الملك الحرم، ومعه الوزراء، والأمراء ، والحاشية ، وقادة الجيش ، وكان حاسِرَ الرأس ، حافِيَ القدَمَيْن ، ليس عليه إلا إزارُهُ ، ورداء ، شأنُهُ كَشَأن أيّ حاجٍّ محرم من المسلمين ، ومن خلْفِهِ ولداهُ ، وهما غلامان كَطَلْعَة البدْر بهاءً ، وكأكْمام الورْد نضارةً وطيبًا ، وما إن انتهى خليفة المسلمين ، وأعظمُ مُلوك الأرض ، من الطَّواف حول البيت العتيق ، حتى مالَ على رجلٍ من خاصَّتِهِ ، وقال : مَن عالم مكة ؟ فقال: عطاء بن أبي رباح ، قال: أروني عطاء هذا ، فالتقى به ، فوجده شَيْخٌاً حبَشِيّاً ، أسْوَدُ البشَرَة، مُفَلْفَلُ الشَّعْر ، أفْطَسُ الأنف ، إذا جلسَ بدا كالغُراب الأسْوَد ، كأن رأسه زبيبة ، مشلولاً نصفه ، لا يملك من الدنيا درهمًا ولا دينارًا ، فقال سليمان: أأنت عطاء بن أبي رباح الذي طوّق ذكرك الدنيا ؟ قال : هكذا يقولون ، قال : بماذا حصلت على هذا الشرف ؟ قال: باستغنائي عن دنيا الناس وحاجتهم إلى علمي الذي انقطعت له ثلاثين عاماً ، قال سليمان : لا يفتي في المناسك إلا عطاء.
وحدث بعد اللقاء الأول أن اختلف سليمان وأبناؤه في مسألة من مسائل الحج ، فقال: خذوني إلى عطاء بن أبي رباح ، فأخذوه إلى عطاء وهو في الحرم، والناس متحلقون حوله، فأراد سليمان أن يجتاز الصفوف، ويتقدم إليه وهو الخليفة، فقال عطاء : يا أمير المؤمنين خذ مكانك، ولا تتقدم الناس؛ فإن الناس سبقوك إلى هذا المكان ، فلما أتى دوره سأله المسألة فأجابه ، فقال سليمان لأبنائه: يا أبنائي ، عليكم بتقوى الله ، والتفقه في الدين ، فو الله ما ذللت في حياتي إلا لهذا العبد ، لأن الله يرفع من يشاء بطاعته ، وإن كان عبدًا حبشيًّا ، لا مال ولا نسب ، ويذل من يشاء بمعصيته ، وإن كان ذا نسب وشرف... ثم قال سليمان لأحد ولديه : يا بني هذا الذي رأيْتَهُ ورأيْتَ ذُلَّنا بين يدَيْه هو وارِث عبد الله بن عبَّاس، الصحابيّ الجليل الذي أوتِيَ فهْمًا في القرآن الكريم ، وكان مَوْسوعةً في كلّ العُلوم ، ثمَّ أرْدَفَ يقول : يا بنيّ تَعَلّم العِلْم ، فَبِالعِلْم يشْرُفُ الوضيع ، وينْبُهُ الخامِل ، ويَعْلو الأرِقَّاء إلى مراتب المُلوك .
ولذلك قِيل : رُتْبةُ العِلْم أعلى الرُّتَب ، تعلَّموا العِلم ، فإنْ كنتُم سادةً فُقْتُم ، وإن كنتم وسطًا سُدْتُم ، وإن كنتم سُوقةً عِشْتُم.
***
تأمّل في البعوضة إنها لا تبدو بالنسبة إليك شيئاً مذكوراً لكنها أقوى منك حينما تصر البعوضة من دون كلل أو ملل في البحث عن منفذ في جلدك.
لا قيمة للحياة من دون قوة ، إن القوّة مصدر للثقة ، والثقة لا توجد إلا في قلوب الأقوياء ، وإذا أردت القوّة الحقيقيّة فابحث عن قوّة لا تحتاج إلى غيرها إنها قوة الله عز وجل.
***
إن الجبن والخور ، والاستكانة والاستسلام ، والانهزامية والذلّ ، وجميع المفردات في قاموس الضعف مرفوضةٌ في حياة الأقوياء ؛ فأنت كائن لم تُخلق لتكون مسلوب الإرادة ، بارد الهمّة ، تأمّل دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَل..)).
***
التوحيد يملأ نفس المؤمن أمناً وطمأنينة ، فلا تستبد بها المخاوف التي تتسلط على أهل الشرك ، فقد سدّ الموحد منافذ الخوف التي يفتحها الناس على أنفسهم، الخوف على الرزق، والخوف على الأجل ، والخوف على النفس ، والخوف على الأهل والأولاد ، والخوف من الإنس ، والخوف من الجن ، والخوف من الموت ، والخوف مما بعد الموت.
اللهم أنزِل على قبور المسلمين الضياء والنور والفُسحة والسرور