فلسطين أون لاين

تقرير "صعوبات التعلم".. معضلة يمكن محاصرتها بالوعي والتعامل المبكر

...
غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

يعاني الطفل "ضياء" صعوبات تعلم جعلته أقل من أقرانه في التحصيل الدراسي، فيقع بين نارين "تنمر زملائه" واستضعافهم له، ونار ضغط والدته في المنزل عليه التي تريد منه تحصيل درجات دراسية عالية مشابهة لتلك التي يحصل عليها شقيقاه، وأقرانه من أبناء العائلة.

تلك الضغوطات جعلت من "ضياء" شخصًا عنيفًا، يكره المدرسة والدراسة، ويمارس العنف مع أشقائه كتفريغ للعنف الذي يتعرض له في المدرسة من أقرانه.

تمر والدة "ضياء" بضغوطات نفسية كبيرة في محاولتها تحسين مستواه الدراسي، تقول: "لا أستطيع تحمل كونه أقل مستوى من أشقائه، طوال اليوم في المنزل لا أفعل شيئًا سوى تدريسه، وفي النهار أواجه مشاكل مع زملائه بالمدرسة الذين يحبطونه بتعليقاتهم السلبية".

وتعترف بأنّ ضغوطاتها عليه أتعبت "نفسيته"، "لكن ما باليد حيلة، المنهاج يكبر عامًا عن عام، والجهد التدريسي يتضاعف، فلا يوجد مجال لإضاعة الوقت".

المشرفة التربوية بجامعة الأقصى بغزة د.هبة الصفدي تعُرّف "صعوبات التعلم" بأنها حالة ينتج عنها تدني مستمر في مستوى التحصيل الدراسي وأداء الطالب مقارنة مع زملاء في نفس الصف، ولا يعود ذلك لوجود إعاقة ما سواء كانت حركية أو بصرية أو سمعية أو الإصابة بالتخلف.

وتقول: "يظهر ذلك جليًّا في عدة مهارات للتعلم المختلفة كالقراءة والكتابة ويسمى "عسر القراءة والكتابة والعسر الحسابي وعسر العمليات الفكرية"، والذاكرة والتمييز والحفظ والتركيز والانتباه وسوء الأداء، وعسر الكلام والاستماع أو الإدراك والتفكير".

عدم التكيف

وتبين الصفدي أن صعوبات التعلم يُنظر إليها على أنها إعاقات مستمرة، حيث يكون الطفل عاديًّا من حيث التكوين الجسدي، غير أنه يواجه صعوبات في الحفظ والفهم والاستيعاب والانتباه والتذكر وحتى اضطرابات في السلوك والتفكير.

أما انعكاسات تلك الصعوبات مجتمعيًّا على الطفل فتتمثل، وفق الصفدي، في عدم قدرة الطفل على التكييف والتواؤم مع المهمات التعليمية بالمدرسة والتعامل مع المحيط المجتمعي.

وتشرح بالقول: "برامج التعليم والمنهاج المدرسي عندنا في فلسطين معدة دون الأخذ في الاعتبار هذه الفئة والتي تشكل حوالي 30% من مجموع الطلبة في مراحل التعليم العام".

وتنوه إلى أن التعليم العام الفلسطيني يدمج في أغلب الأحيان مَنْ يعانون من صعوبات تعلم مع أقرانهم العاديين دون مراعاة لخصوصية كل فئة، ما يعني ذلك عدم فهم المجتمع لحاجاتهم ما يؤدي إلى فشلهم ورسوبهم وتسربهم من المدرسة.

جرس إنذار

بدورها، أوضحت المختصة بالصحة النفسية وتطوير التدريب الذاتي د.إيمان أبو قوطة أن منحنى الذكاء الطبيعي يتراوح بين "80-110" ومن لديه معدلات ذكاء أقل من 80 فيصنف بأنه لديه صعوبات تعلم وأقل من 50 "تخلف عقلي" أما فوق الـ110 يوصف الطفل بأنه موهوب.

ويتم الاستدلال على معاناة الطفل من صعوبات التعلم ببعض المعايير كاختبارات الذكاء وبعض السلوكيات التي تعطي "جرس إنذار" بمعاناتهم تلك، فهم في حياتهم اليومية يمكن أن يصل بهم الحال إلى عدم القدرة على إغلاق أزرار القميص أو ربط الحذاء، أو صعوبات في التنسيق والتوصيل.

وأوضحت أن هؤلاء الأطفال دائمًا بحاجة إلى مساعدة أهليهم لإنجاز مهامهم اليومية، منبهة إلى أنه يتم التعامل مع هذه الصعوبات بمنهجية معينة في مدارس قطاع غزة من خلال غرف صفية خاصة في المدارس التابعة لوكالة الغوث، أما في مدارس الحكومة فيتم من خلال خطة علاج يضعها المرشد النفسي حسب حدة الحالة.

وأضافت: "نوفر بيئة فيزيقية مناسبة ويتم وضع الطالب في مركز جوهري وملموس أمام المعلم، ويتم توكيل الطلاب الأقران بأن يكونوا "معلمين بدلاء" لزميلهم الذي يعاني من صعوبات تعلم، وهناك أيضًا دروس إضافية لهؤلاء الطلبة بعد الدوام الصباحي وقبل الدوام المسائي".

وتشير أبو قوطة إلى أن إشراك هؤلاء الطلبة في الأنشطة اللامنهجية يعد من أكثر تلك الخطوات فعالية، كالاشتراك في الإذاعة المدرسية حيث يسهم كثيرًا في دمجهم اجتماعيًّا.

تفهم المشكلة

وتلفت إلى أهمية توعية الوالدين من خلال اجتماعات أولياء الأمور بالمشكلة التي يعانيها أبناؤهم، "هذه أكثر فئة مضطهدة لأنهم يظهرون كأنهم أناس طبيعيين لكن هم في الحقيقة ليسوا كذلك، لذلك فإن الضغط الكبير من الأهالي على أبنائهم سيحدث ضررًا أكبر".

وإذ تبين أبو قوطة أن غياب وعي الأهل سينتج عنه طفل مهزوز الشخصية وقد تؤدي الضغط المتزايد لجنوح الأحداث ويصبح لديه ميول انحرافية.

وتنوه إلى أهمية أن يدرك الأهل أن المدرسة بالنسبة لهؤلاء الأطفال هي "دمج اجتماعي" أكثر من كونها خبرات تعليمية، مشيرةً إلى أن فصل هؤلاء الطلبة في مدارس لوحدهم أمر سلبي حيث سيعانون من الوصمة الاجتماعية.

ودعت الأهل لتعزيز الروح القيادية في الطفل الذي يعاني من صعوبات التعلم، بأخذ رأيه في الأمور الحياتية، والحوار المتبادل بين الأهل والطفل، وعدم التقليل من شأنه وإشراكه في أنشطة رياضية والمناسبات العائلية بحثاً له عن مواهب أخرى غير التحصيل الدراسي يمكن أن يبدع فيها.

وتؤكد أن مشكلة صعوبات التعلم موجودة منذ قديم الأزل وهي تعود لأسباب وراثية أكثر منها كونها مكتسبة، ويمكن التقليل من نسبتها بسرعة اكتشافها واهتمام الأسرة والمختصين بالطفل الذي يعاني من هذه الصعوبات.

المصدر / فلسطين أون لاين