بعيدًا عن الضجيج البروباغندي الذي يحدثه وزراء حكومة اليمين الفاشية وأعضاء الكنيست الدمويون، فإن القراءات الإسرائيلية التي يمكن وصفها بـ"العقلانية" لما يقع من هجمات فدائية متلاحقة، تؤكد أنها لم تحدث من فراغ، بل نابعة من اضطرابات مستمرة، ولن تنتهي بمجرد معالجة النقاط الساخنة للمسلحين بطريقة محددة، بل المطلوب معالجة شاملة تضمن بالدرجة الأولى تخفيف عوامل التوتر والإرهاب الذي يتسبب به الاحتلال ومستوطنوه، وإن لم يقولوا ذلك مباشرة، لكنه يتسرب من بين أقلامهم بصورة ضمنية.
اقرأ أيضاً: عمليات بطولية متواصلة.. القدس تُضمّد جراح أهالي شهداء جنين
يتخوف الإسرائيليون من العجز عن مواجهة هذه الموجة المتصاعدة من عمليات المقاومة، التي قد تنزلق إلى الداخل المحتل، وتتجاوز شمال الضفة الغربية وبؤرها المشتعلة في جنين ونابلس، وفي هذه الحالة قد تصل الأمور إلى اندلاع انتفاضة ثالثة، وهو السيناريو الذي قد يصبح واقعياً، بعد أن كان كابوسًا بعيدًا يلوح في آفاق المؤسستين الأمنية والعسكرية للاحتلال.
صحيح أن الأشهر الأخيرة شهدت تنفيذ جيش الاحتلال لعملية "كاسر الأمواج" في مناطق الضفة الغربية، بزعم التعامل مع النقاط الساخنة للعمليات المسلحة، لكن النتيجة الماثلة اليوم أن المزيد من الإجراءات الصارمة والقمعية ضد الفلسطينيين تسببت بتحريض المزيد منهم للانخراط في موجة الهجمات الفدائية، وصولًا إلى انطلاق انتفاضة كاملة، عبر انخراطهم بطرق مختلفة، سواء من حيث مساعدة خلايا المقاومة، أو الإعراب عن التعاطف معها، أو تقديم مخابئ للمسلحين.
الخلاصة التي يهرب منها الإسرائيليون، مكابرة وغطرسة، أن العدوانات الدموية التي ينفذها جيش الاحتلال، وتتسبب بارتقاء العشرات من الشهداء، تشكل دافعًا للفلسطينيين لخوض المزيد من المواجهات مع قواته، وتخلق المزيد من الاشتباكات، التي تسفر في مجموعها عن عدد كبير من الشهداء الفلسطينيين، والقتلى الإسرائيليين.
اقرأ أيضاً: "النونو": عمليات الضفة والقدس مشهد طبيعي للعلاقة مع الاحتلال
كل ذلك يمنح أجواء الاضطرابات المستمرة -وفق التوصيف الإسرائيلي- مزيدًا من الاشتعال، وتصبّ مزيدًا من الزيت على النار المشتعلة أصلًا، لأن التغذية الراجعة تفيد بأنه كلما كان عدد الضحايا الفلسطينيين مرتفعًا، نشهد المزيد من الهجمات الانتقامية، وليس العكس كما يتوهم الاحتلال، وقد يصل التوتر إلى مستويات عالية غير مسبوقة.
تضع أجهزة أمن الاحتلال يدها على جملة من نقاط التوتر التي تتركز في القدس المحتلة، وفي القلب منها المسجد الأقصى، الذي يسفر انتهاك حرمته من المستوطنين عن تحويله بؤرة للاضطرابات العنيفة الفردية منها والمنظمة، ويتوقع الاحتلال أن معالجتها سيستغرق منه مدة زمنية ليست قصيرة، ولا سيما مع قدرة المقدسيين على تنفيذ عمليات فدائية بأقل التكاليف من المقاومة، وأبهظ الأثمان على الاحتلال، ولعل عملية بيت حنينا تعد نموذجًا وإلهامًا وحافزًا لمزيد من الفلسطينيين لمحاكاتها.