- 200 ألف متر مربع بلغت المساحة المتآكلة من حرم الشاطئ في غضون 20 عامًا
- الصور الجوية تُظهر تسجيل مخيم الشاطئ أعلى مستوى تآكل بعمق 38 مترًا
- المواطن "القن": استأجرت بيتًا خارج "القرية السويدية" خشية انفصالها في أي شتاء
- بلدية رفح: أنشأنا مشروعًا احترازيًّا بطول 170 مترًا.. وشاطئ المحافظة مهدد بالانجراف
- المواطن "العامودي" بمخيم الشاطئ: البحر يسرق الرمال من أسفل البيوت والشوارع
- بلدية غزة: يجب إنشاء حواجز صخرية داخل البحر بعمق لا يقل عن 150 مترًا
- "شحيبر": التدخلات الجارية إسعافية والحلول الجذرية إنشاء كواسر أمواج
- "الأشغال": لبَّينا الحد الأدنى من الحماية للحد من انهيارات غير محمودة العواقب
يداهم الخوف والقلق قلب المواطن محمد القن (47 عامًا) وأهالي مخيم اللاجئين المعروف باسم "القرية السويدية" غرب محافظة رفح جنوبي قطاع غزة، من تكرار تجربة شتاء قاسٍ مرَّ عليهم أدى إلى غمر مياه البحر منازلهم، وكذلك نحر جزء من شارع "الرشيد".
تأتي تلك المخاوف على الرغم من إنشاء وزارة الأشغال والإسكان وبلدية رفح مشروعًا يتضمن رص مكعبات إسمنتية مائلة -من مخلفات مبانٍ وأبراج دمرها الاحتلال الإسرائيلي في حروبه على قطاع غزة- على تربة طينية على امتداد 170 مترًا أمام "القرية السويدية"، لمواجهة أمواج البحر، في أحدث المشاريع العلاجية المؤقتة لمنع الانجراف، لكنها لم توفِّر للمواطن "القن" وغيره من الأهالي الذين قابلناهم الأمن والرضا.
تفتح صحيفة "فلسطين" ملف تآكل الشاطئ، وتكشف حجم انحسار الشاطئ على مدار عشرين عامًا، وتعرض صورًا جويةً حصرية تُظهر نسبة التآكل، وتقرع جرس الإنذار أمام الجهات المختصة لإنشاء حلول جذرية قبل زوال شواطئ أخرى في غضون خمس سنوات.
اقتراب مياه البحر من منازل المواطنين بغزة 2021
ويبلغ طول شاطئ قطاع غزة نحو 40 كيلومترًا، يمتد على طوله 15 لسانًا بحريًّا، ويبلغ معدل التآكل السنوي فيه (2م/ سنة)، وهناك خمس مناطق تتعرض للتآكل الكبير، ونكشف في هذا التحقيق أن المساحة المتآكلة من الشاطئ بلغت نحو 200 ألف متر مربع من حرم الشاطئ خلال 20 عامًا مضت.
اقتراب الخطر!
"نحن محرومون من البحر، القرية أصبحت غير صالحة للسكن".. يقول القن وهو يتجه بنظره نحو المكعبات الإسمنتية ويطل من فوقها على البحر لحظة زيارة فريق تحقيق صحيفة "فلسطين" للمنطقة: "للأسف، كان عمق رمال الشاطئ يصل إلى 30 مترًا داخل البحر، والآن باتت المياه قريبة من بيوتنا، لا تفصلها عنا سوى عشرة أمتار".
المواطن "القن" الذي شهد على فشل عدة مشاريع لحل المشكلة من جذورها يقلل من إمكانية نجاح المشروع الجديد في حماية الشاطئ، لكون مياه الأمطار ستنجرف من الأعلى باتجاه الشاطئ وستعمل على تآكل التربة الطينية وانهيار المكعبات الإسمنتية، وهذا التآكل يهدد أيضًا البنية التحتية للقرية.
يقول ونظرات الغضب تعتلي ملامحه وترافق صوته: "قبل ثلاث سنوات غمرت المياه بيتي القريب من الشاطئ، والعام الماضي تركتُ المنطقة في الشتاء واستأجرت بيتًا خوفًا من دخول المياه علينا وأطفالنا".
وحتى لو لم يفشل المشروع، يعتقد جاره رأفت حسونة أن المياه قد تلتف على بيوت الأهالي كما حدث قبل أعوام من نهاية حدود تلك المكعبات التي وضعت على بعد 170 مترًا.
يستعيد حسونة الذي يملأ الشيب رأسه ولحيته بملامحه الداكنة التي لسعتها الشمس على مدار 49 عامًا عاشها هنا، صورة المكان بذاكرته، قائلًا: "كان عمق رمال الشاطئ داخل البحر يبلغ نحو 40 مترًا، لكن مع عوامل الطبيعة وعدم الاهتمام بنا كلاجئين بات البحر من حولنا مخيفًا، فالناس تعيش خلال فصل الشتاء في رعب خشية دخول مياه البحر والمطر إلى منازلها".
ويخشى حسونة من تجدد حادثة غمر المنطقة بالمياه كما حدث قبل أعوام، إذ عَزَلت "القرية السويدية" عن محافظة رفح، لولا تدخل البلدية ووزارة الأشغال والإسكان بطمر منطقة الجرف بالتربة وإعادة ربطها بالمدينة، مردفًا: "الأمر مخيف، ففي أي وقت يمكن للقرية أن تكون مقطوعة عن العالم الخارجي".
قواعد اسمنتية مائلة لحماية الشاطئ برفح 2022
ويُفترض أن يكون المشروع الجديد كما يطالب حسونة وعدد من الأهالي الذين قابلناهم، عبارة عن "كورنيش" ومدرج إسمنتي لمواجهة الانجراف، لكن حدث عكس ما قيل لهم: "تفاجأنا بحصر المشروع برص مكعبات إسمنتية فقط"، قالها بنظرات غير متفائلة بقدرة تلك المكعبات على منع أمواج البحر من الوصول إلى منازلهم.
حلول مؤقتة
ما استغربه حسونة يوضحه مدير دائرة المشاريع ببلدية رفح م. محمد سرحان الذي حضر إلى "القرية السويدية" لحظة إعدادنا التحقيق، بأن المشروع كان يتضمن استخدام قواعد باطون من مخلفات العدوان في عمل مدرج خرساني يعمل كاسرًا للأمواج، مع أن الأصل أن يكون التدخل الجذري بوضعه داخل البحر وعمل ألسنة بحرية.
وكشف سرحان لـ"فلسطين" أنه خلال المباحثات مع جهات منها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (يو إن دي بي) قالت إنها لا تستطيع التدخل في البحر، وإن هناك عوامل سياسية وقيودًا يضعها الاحتلال، لذلك لم نتلقَّ أي رد رسمي بشأن عدم وجود حل جذري لمشكلة الشاطئ، كما فوجئنا باستبدال مشروع "المدرج الخرساني" بتوفير 300 قاعدة باطون ورصها بطول 170 مترًا في المنطقة المقابلة "للقرية السويدية"، مع أن المنطقة المهددة بالانجراف تبلغ 3 كيلومترات!".
وإلى جانب "القرية السويدية"، يقع في منطقة التآكل ميناء الصيادين ومتنزه البلدية، وجميعها أصبحت معرضة للانجراف بفعل التآكل الذي يزداد عامًا بعد آخر.
رفح عمق الاهتراء 25 مترا
ويؤكد سرحان أن كل التدخلات التي تمت "متواضعة؛ لمنع النزيف وليس وقفه"، على الرغم من طرقهم أبواب المؤسسات الدولية، مشيرًا إلى أن المنطقة شهدت انهيارًا قبل عامين في "شارع الرشيد"، وجرى إغلاق الطريق وقطع القرية عن المحافظة، وتدخلت على إثر ذلك البلدية بوضع تربة طينية وتسوية الطريق لتمكين السكان من العبور.
ويحذر من أن المرحلة المقبلة ستؤدي لتفاقم المشكلة نحو ميناء الصيادين في رفح، وأن خطورة استمرارها دون حل جذري سيؤدي إلى غمر المياه "القرية السويدية" وغرقها بالكامل وفقدان الصيادين مصدر رزقهم، وانهيار بشارع الرشيد، مشددًا على ضرورة الحل الجذري في المنطقة.
مسببات وآثار كارثية
ويتأثر شاطئ قطاع غزة بثلاثة موانٍ، الأول ميناء العريش الذي أنشئ قبل خمس سنوات على السياج الفاصل بين رفح ومصر ويبلغ طول لسانه 200 متر، وهو ما أثّر في شاطئ مدينتي رفح وخانيونس.
والميناء الثاني، ميناء خان يونس، ويبلغ طول لسانه 160 مترًا داخل البحر، وهو ما أثر في شاطئ القرارة والزوايدة ودير البلح ووصل تأثيره إلى شاطئ مدينة الزهراء، والميناء الثالث مرفأ الصيادين بمدينة غزة، ويبلغ طول لسانه 450 مترًا، وقد وصل تأثيره إلى مخيم الشاطئ وجباليا وبيت لاهيا.
صورة أوسع للتآكل
وتُظهر صور جوية حصرية حصلنا عليها من وزارة الأشغال، أن عمق الاهتراء (التآكل) بمنطقة مخيم الشاطئ للاجئين بلغ 38 مترًا، وهو أعلى مستوى للتآكل، على حين تبلغ مسافة الاهتراء والتضرر 2000 متر باتجاه الشمال بسبب ميناء غزة، وقد بدأت هذه المشكلة عام 1994.
وتُظهر الصور الجوية أن مساحة الأرض المتشكلة بسبب إنشاء ميناء غزة تبلغ نحو 680 دونمًا، على حين تظهر الصور أن عمق الاهتراء بمنطقة شمال غزة بلغ 12 مترًا وأن مسافة الاهتراء والتضرر بلغت 900 متر، وعمق التآكل والاهتراء بمنطقة دير البلح ومنطقة القرارة بلغ 13 مترًا، ومسافة الاهتراء والتضرر 1000 متر بسبب ميناء خانيونس الذي بدأت مشكلته تظهر مع إنشائه عام 2014.
كما تكشف الصور الجوية أن عمق الاهتراء والتآكل في رفح بلغ 25 مترًا، لمسافة اهتراء 700 متر.
مصدر رزق مهدد
مع نهاية عام 2019، كانت غرف الصيادين في منطقة دير البلح آيلة للسقوط بسبب انجراف التربة في إثر تقدم المياه لمستويات غير مسبوقة، وفي زيارتك للمنطقة وبعد ثلاثة أعوام على ذلك تجد أن المشكلة لا تزال قائمة، وأن الحرم الفاصل بين مياه البحر وتلك الغرف لا تتعدى عدة أمتار، إذ يمكن للمياه غمرها بسهولة.
وبيّن نقيب الصيادين نزار عياش لمعد التحقيق أن الاحتلال هو الذي نقل الصيادين إلى هذه المنطقة التي كانت صخرية، وقام بتفجير الصخور، إضافة إلى أن اتساع الشاطئ لم يكن كبيرًا منذ تلك اللحظة، وحاولت النقابة إيجاد منطقة أخرى نظرًا لضيق الشاطئ لكنها لم تجد.
وبعد العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، بدأ بناء ميناء بمدينة خانيونس، لكنه أثّر في غرف الصيادين، إذ انهار الحزام الإسمنتي الأرضي لها وظهرت قواعدها بعد دخول المياه من الأسفل واقترابها لنقطة الصفر معها عام 2016، وقد جرى إخراج المعدات وشباك الصيادين من النوافذ لعدم تمكن الصيادين والجهات المختصة من فرق الدفاع المدني والبلديات ووزارة الأشغال من الوصول لأبواب الغرف في إثر انغمارها بالماء، وفق عياش.
النماذج العالمية والإقليمية في حماية الشاطئ من خلال كاسر الأمواج
وأفاد بأنه جرى تنفيذ مشروع إنشاء جدار استنادي بعمق متر ونصف على شكل صناديق مكعبات مع صب حزام باطون عليها لحماية الجزء الجنوبي من الميناء الذي تعرض للانجراف، منبهًا إلى أن الجدار أثبت نجاحه في حماية غرف الصيادين، وأن هناك مشروعًا آخر لإنشاء جدار مشابه بالمنطقة الشمالية لغرف الصيادين على طول 150 مترًا.
تغير شاطئ غزة
وفي فصل الشتاء أيضًا تقترب أمواج البحر في المنطقة الواقعة شمال ميناء غزة، بالقرب من فنادق للأفراح ومنازل المواطنين، متجاوزةً بسهولة حواجز صخرية وضعت سابقًا لحماية المنطقة من التآكل الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة.
كان ناصر العامودي الذي يسكن في تلك المنطقة عائدًا من الصيد في ساعة الظهيرة لحظة مقابلتنا معه، ينظر إلى صخور الحماية، مستذكرًا أنها وُضعت في السبعينيات لحماية رمال الشاطئ، فكانت هي الحد الفاصل بينها وبين البحر.
صورة جوية تظهر عمق الاهتراء بشاطئ مدينة غزة
يقول وهو يتأمل تلك المساحة التي يبلغ طولها قرابة 15 مترًا أو أكثر وصارت ممتلئة بالمياه: إنه بعد إنشاء جدار الصخور بات الأمر مستقرًّا، حتى إنشاء الميناء عام 2000، حتى أصبحت على شكل بركة مياه وهي تقترب من بيوت السكان بفعل التآكل.
يشير نحو تلة ترتفع عليها عمارة وبعض البيوت العشوائية: "البحر يقترب ويسرق الرمال من أسفل قواعد البيوت والشوارع، فعامًا بعد آخر يتقدم البحر ويزداد الخطر".
وأمام مخيم الشاطئ للاجئين، يتخوف السكان من استمرار تآكل "شارع الرشيد" من الأسفل، وهو ما يهدد البنية التحتية بالانهيار.
زكريا بك، صياد أمضى جل حياته في البحر وعلى الشاطئ، يذكر أن الميناء كان مقررًا في منطقة "البيدر" بالشيخ عجلين بعدما أظهرت فحوصات للتربة أجراها خبراء دوليون أنها أفضل منطقة، إلا أن الاحتلال وبعد انتفاضة الأقصى قام بمهاجمة أعمال إنشاء الميناء وداهمت الدبابات لافتة الميناء والبركسات، فنُقل الميناء إلى مكانه الحالي قرب مخيم الشاطئ.
يقول بكر: إن عرض الشاطئ كان يبلغ 50 مترًا هنا، وكانت المنطقة تتسع قديمًا وقبل إنشاء الميناء لوضع الصيادين قواربهم وكذلك للاصطياف، إلا أن المساحة أصبحت الآن في بعض المناطق صفرًا.
وعلى الرغم من معاناة المنطقة وتآكل رمالها، فإن هناك استراحات و"كافتيريات" تمتد على شكل ألسن داخل البحر، وهذا يفاقم المشكلة جدًّا، كما يرى بكر.
حواجز صخرية
لأجل ذلك يجب أن يكون هناك عمل مضاد، بحسب مدير وحدة التخطيط والاستثمار في بلدية غزة م. ماهر سالم، لتقليل تأثير التآكل، وأن تتوافق الحلول مع طبيعة شاطئ غزة الواقعة في الجزء الشرقي لساحل البحر الأبيض المتوسط، وتكون فيها حركة الأمواج من الجنوب للشمال، ولتقليل تأثيرها لا بد من عمل حواجز صخرية داخل البحر بشكل موازٍ للشاطئ بعمق لا يقل عن 150 مترًا داخل البحر، على غرار مدن ساحلية عديدة نفذت المشروع منذ عشرات السنين وأثبت نجاحه لكونه يبني منطقة آمنة للسباحة، ويزيد عمق الشاطئ، ويمنع عودة الرمال مع البحر.
يوضح سالم لـ"فلسطين" أن هذا يتطلب معدات خاصة وصخورًا كبيرة غير موجودة في غزة، وموافقة الاحتلال الذي يمنع إنشاءها وإدخال المعدات اللازمة لها، عدا عن عدم توفر التمويل اللازم لتنفيذه.
وأضاف أن المشكلة تحتاج إلى إعداد دراسة إستراتيجية تشرف عليها مكاتب دولية لوضع الحلول الجذرية للتآكل، ويمكن تنفيذ حلول إسعافية سريعة بإنشاء ألسن بحرية قصيرة تتباعد فيما بينهما على مسافة 200 متر، ويبلغ طول لسانها 30-50 مترًا داخل البحر، وهذا يعمل على عودة الشاطئ.
ومع استمرار ضيق الشاطئ شمال مرفأ الصيادين بعدما كان يبلغ طوله 70 مترًا سابقًا ووصل الآن إلى "صفر" في بعض المناطق، يأمل سالم أن يأخذ الموضوع اهتمامًا أكبر من الجهات المختصة للحد من تأثير المواني، خاصة ميناء خانيونس؛ لأن تأثيره على مدار السنوات القادمة سيكون مفجعًا، وبعد خمس سنوات لن نرى شواطئ، "فنحن بحاجة للمحافظة على المناطق التي لم تكن تعاني التآكل وكانت تمتد من خانيونس حتى الزهراء، وباتت اليوم في مهب الريح، والخطورة أن سرعة التآكل كبيرة".
أول المشاريع المنفذة عام 1978 ومخطط مشروع للحل الجذري عام 1998 لم ينفذ
ويحذر أيضًا من تأثير مرفأ الميناء بمدينة غزة، لكونه مصممًا على شكل كتلة خرسانية تسد حركة الموج والمياه، إذ يُفترض وجود فراغات تسمح بانسياب المياه من الجنوب إلى الشمال بحيث تمنع التآكل، وذلك عن طريق قنوات تسمح بحركة المياه، أو إنشاء أعمدة مسمطة مثل دول العالم، وهذا يحتاج لتدخلات دولية وإسمنت مقاوم للكبريت.
ويكشف سالم أن البلدية بالتعاون مع جهات مانحة تعمل على إنشاء مشروع لحماية كتف مخيم الشاطئ، ويمتد من مسجد بغداد حتى نهاية المخيم، من خلال وضع صخور مائلة وأخرى أفقية لحماية انجراف الطريق.
لكن تأثير التآكل ليس فقط على السكان بحرمانهم من الاصطياف، فبحسب إفادة المدير العام لحماية البيئة في سلطة المياه وجودة البيئة بهاء الأغا، له تأثير أيضًا في الكائنات البحرية خصوصًا الفقريات كالسلطعونات، التي تبني حياتها بين الرمال والمياه، ما يعني فقدان جزء من الكائنات البحرية الموئل البري الذي كانت تعيش فيه.
تدخلات قديمة جديدة
في عام 1978، أقامت بلدية غزة -حسبما أظهرت صور اطلعنا عليها- حواجز صخرية لحماية الشاطئ، وفي عام 1998 حاولت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" تنفيذ مشروع يتضمن إنشاء كواسر أمواج عرضية نفذت واحدًا منها، و10 ألسنة بحرية، لكن المشروع لم يتم كاملًا، وكان الاحتلال سبب تعطيل التنفيذ، وفق المهندس في وزارة الأشغال عبد الرحمن شحيبر.
وفي عام 2000، أُنشِئ جدار حماية على شكل سلال صخرية (تشبه سلال برك تجميع المياه) التي تعمل على تدعيم جوانب الطريق، لكن مع تكرار ارتطام الأمواج به انهار عام 2019، حسبما تظهر الصور الجوية التي اطلعنا عليها.
صورة جوية تظهر الاهتراء في شاطئ دير البلح بعمق 13 مترا
الكثير من التدخلات تجرى سنويًّا لكنها إسعافية، كإنشاء درع من بقايا ركام المنازل المهدمة في المناطق المتآكلة، منها قيام بلدية غزة بإنشاء جدار من الخرسانة مسبقة الصب مقابل مخيم الشاطئ.
يشير شحيبر إلى تجربة منتجع "بلو بيتش" الذي أنشأ مشروعًا ناجحًا عن طريق "شركة فلسطين للاستثمار" بتكلفة 350 ألف دولار، يتضمن عمل جدار استنادي وأمامه كتل خرسانية مرجانية جزء منها ظاهر والجزء الآخر مطمور، بها ثقوب تعمل على كسر الموجة من الجذور، وتحتوي على إسمنت مقاوم للكبريت، صديقة للبيئة.
أما الحلول المقترحة، فهي إنشاء كواسر أمواج، منها عرضية ظاهرة وأخرى غير ظاهرة (مدفونة برمال الشاطئ)، يبلغ سعر المتر العرضي 4 آلاف دولار، أما اللسان الخرساني فيبلغ سعر المتر 2500 دولار، والجدران الاستنادي 2300 دولار، مقدرًا التكلفة الإجمالية المتوقعة للتدخلات المختلفة لحماية الشاطئ على المدى البعيد 13-15 مليون دولار.
تخوفات
ويتخوف المستشار الفني بوزارة الأشغال والإسكان م. ناصر ثابت من تعرض بعض المناطق للانهيار خاصة في مخيم الشاطئ ومدخل النصيرات في شارع الرشيد التي يعدُّها منطقة "خطيرة"، إضافة إلى دير البلح ورفح.
وأقر ثابت، لمعد التحقيق، بأن اللجان الفنية في الوزارة أجرت دراسات فنية كاملة لوضع حلول جذرية لتلك المناطق بتكلفة 3-4 ملايين دولار، من خلال وضع قوالب باطون ضخمة لحماية المناطق الساحلية المائلة من الانجراف، وسُلِّم المقترح للجهات المختصة لجلب التمويل، إضافة لطلب توفير كتل خرسانية للمعالجات الطارئة في أثناء الانهيارات المتوقعة في الشتاء.
وفي 14 سبتمبر/ أيلول 2022، أعلنت متابعة العمل الحكومي تخصيص مبلغ مالي لوزارة الأشغال؛ لتدعيم الأجزاء الحرجة المهددة بالانجراف من شاطئ البحر خلال موسم الشتاء.
وكشف مصدر خاص مطلع بوزارة الأشغال، لمعد التحقيق، أن قيمة المبلغ المخصص بلغت نحو 30 ألف دولار، وبهذا المبلغ عملت الوزارة مؤخرًا على نقل قواعد خرسانية من قواعد المنازل المدمرة ووضعها في عمق 50 مترًا قبالة مخيم الشاطئ، على امتداد 300 متر، كبديل عن الكتل الصخرية التي يمنع الاحتلال إدخالها.
وأوضح المصدر -الذي طلب عدم الكشف عن هويته- أن ما أُعِدَّ هو تصور حول دراسة، لكن لم تعدَّ دراسية مائية لوضح حلول نهائية لتنفيذها، مبينًا أن تكلفة الدراسة تبلغ نحو 300 ألف دولار.
مشروع كاسر أمواج عام 2022
وبحسب المصدر، فإنه تُنفَّذ مشاريع تدعيم لبعض المناطق المهددة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) باستخدام قواعد من مخلفات البناء، ووضعها بشكل مائل في المناطق المهددة بمنطقة الزهراء ومخيم الشاطئ والقرية "السويدية" في رفح، التي يعتقد أنه تم إنهاء الأزمة فيها، لكن ظهرت انهيارات في منطقة الزهراء، وقبالة شاطئ جباليا.
وقال: إن آليات الوزارة تتابع حالة الجرف، وتسارع لطمر المناطق التي تحدث فيها فجوات أو انهيارات عبر شراء كتل خرسانية، أو جلب الطين، مؤكدًا أن الوزارة تحتاج إلى أموال كبيرة لحماية الشاطئ، وما تقوم به حلول مؤقتة، لبّت فيه الحد الأدنى من الحماية كيلا تحدث انهيارات لا تحمد عواقبها، لكن المشكلة تحتاج إلى حلول إستراتيجية وتمويل ضخم من دول مانحة.
وأمام هذه المعضلة الخطيرة، تبقى قضية تآكل شاطئ قطاع غزة وانجرافه على طاولة البحث أمام الجهات المختصة والمؤسسات الدولية والدول المانحة، قبل أن تنفصل مناطق عن جغرافيا القطاع المُحاصَر.