لم تكن الموهبة علامة فارقة في طفولته، كمعظم الموهوبين، ولم تكبر معه، والأكثر من ذلك أنه لم يلحظها أصلا، وبعد أن جاوز العشرين من عمره، عمل في الجامعة الإسلامية لفترة قصيرة بنظام "البطالة"، وفي أوقات فراغه كانت الأوراق والأقلام أنيسًا له، حتى سأله أحد زملائه: "بتعرف ترسم؟"، الإجابة الحاضرة على الفور كانت "لا"، لكن الزميل صمم على أن ثمة موهبة لا بد من تطويرها.. هكذا كانت البداية مع الرسام الغزي "أسامة أبو حمرة" (28 عاما)..
سنتان من التعليمات
يكمل أبو حمرة تفاصيل تلك البداية في حديثه لـ"فلسطين": "اقترح عليّ زميلي أن التحق بدورات لتعلم الرسم، أو أن يوصلني هو إلى الفنان فتحي غبن لأتعلم على يديه، ولما طلبت منه وسيلة للتواصل مع الفنان غبن أخبرني أنه لا يعرف مكانه حاليا وليس بينهما تواصل".
ويقول: "سألت صديقا يشاركني لعب كرة القدم من نفس العائلة عمّا إذا كان يعرف، فاتضح لي أنه والده، وعلى الفور أخذني لزيارته، واقتنع الرجل بوجود موهبة الرسم لدي، وأخبرني أنني بحاجة لبذل الكثير من الجهد لتطويرها، ولم يرفض طلبي بأن يعلمني هو الرسم".
ويضيف: "بدأت أتردد على الفنان غبن لأعرض عليه رسوماتي، فيصحح لي ما فيها من خطأ ويعطيني دروسا تزيد من جودة أدائي، وبعد سنتين من اتباع تعليماته أتقنت الرسم بالفحم والزيت، ونوّعت مضامين لوحاتي".
لاحظ أبو حمرة غياب الرسامين الشباب عن الشارع، فأبناء جيله يخجلون من الرسم في الشارع، كما يرى، فقرر أن يأخذ الخطوة بنفسه، لذا كان يتوجه، بعد انتهاء، دوامه إلى ميناء غزة ليرسم هناك، وفيها تعرّف على العديد من الفنانين، ومنهم من كان يقضي معه الساعات في الرسم من باب التنافس المحمود الذي كان له أثر كبير في تطوير أدائه.
ويوضح: "كنت أرسم فيجتمع البعض حولي، منهم من يُعجب بعملي، ومنهم من يستغرب ويضحك، وأحيانا كان الناس يطلبون مني رسم بعض الشخصيات، وعندما تمكنت من الرسم، تساءلت: لماذا لا أستفيد من موهبتي ماديًا؟".
يبين: "أصبحت أرسم الشخصيات، واللوحات التي تصلح كهدايا، وأتقاضى مقابلها مبالغ بسيطة تتيح لي شراء الألوان والفحم".
حياة..
في حرب صيف 2014، قصفت طائرات الاحتلال الشركة التي كان يعمل فيها ضيفنا، فعاد بعدها إلى الميناء، ولكن بعدد ساعات أكبر، وكان يقضي وقته في الرسم على وجوه الأطفال، بعد أن استعان بالإنترنت ليتعلم كيفية هذا الرسم، لافتا إلى أنه في الستة شهور الأولى، كان يرسم بلا مقابل مادي، ولكن بعض الأهالي كانوا يصممون على الدفع له، وبعد ذلك بدأ يتقاضى مبالغ بسيطة.
الرسم على وجوه الأطفال ليس مجرد عمل، لكنه "حياة"، كما يصفه أبو حمرة، إذ يقول: "الأطفال كلّهم حياة، والتعامل معهم ممتع، رغم إزعاج بعضهم، فأنا أقضي ساعات وجودي معهم في الضحك والاستمتاع ببراءتهم".
ويشير إلى أن نسج علاقة معهم، فمنهم من يأتي إلى الميناء خصيصا ليرسم له على وجهه، ومنهم من يركض نحوه بسعادة وكأنه والده، أما هو فما يزال يتذكر بعض من رسم على وجوههم رغم مرور فترات طويلة على لقائه بهم.
انتهاء الرسمة على وجه الطفل هي مصدر سعادة للطرفين، فالطفل يسعد بشكله، وأبو حمرة يفرح لإنجازه وبسبب ابتسامة الصغير، مما يجعل هذا العمل مصدرًا للراحة النفسية والتخلص من ضغوط الحياة بالنسبة له.
ويشير إلى أنه يختار بنفسه الرسومات المناسبة لبعض الأطفال، ويترك الحرية لبعضهم باختيار ما يريدون، لافتا إلى أن أكثر ما يطلبونه هو وجه الشخصية الكرتونية "سبايدر مان".
بذلك اتخذ أبو حمرة من هوايته مصدرا للرزق، ولأن الرسم على وجوه الأطفال عمل موسمي مرهون بفصل الصيف، فإنه يغيّر نشاطه بعده ليرسم بالفحم على الورق، وكذلك الجداريات، والرسم على الزلط، والتصوير.