فلسطين أون لاين

استسلمي يا حماس

...
استسلمي يا حماس
ماجد الزبدة

حملاتٌ إعلاميةٌ مُنظّمة انطلقت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مُؤخرًا، شارك فيها عدد من النشطاء، والكُتّاب والسياسيون المناهضون للمقاومة الفلسطينية، والداعون للواقعية السياسية، يُسلّطون الضوء فيها على الدمار الواسع في غزة، وقتل عشرات الألوف من أهلها، مُحَمّلين حركة حماس والمقاومة الفلسطينية مسؤولية هذا القتل والدمار، بسبب إطلاقها معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023م.

الحملات الإعلامية المُوَجّهة اتّخذت من صور الدمار الواسع في غزة، وصرخات الضحايا الفلسطينيين، مادةً خصبةً لمهاجمة حماس، وتشويه معركة "طوفان الأقصى"، وتسفيه مُطلِقي شرارتها من القادة الشهداء، وتبهيت إنجازاتها غير المسبوقة على مستوى القضية الفلسطينية والصراع الممتد منذ عقود في المنطقة.

العنوانُ الأبرز لهذه الحملات الإعلامية هو مطالبةُ حركةِ حماس بالاستسلام للاحتلال، وإلقاء السلاح، والإنزواء عن المشهد السياسي الفلسطيني، وتسليم إدارة غزة لسلطة عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية، والقبول بدخولِ قواتٍ دوليةٍ أو عربية لحفظ السلام في غزة، مُتَذَرّعين بأن توفيرَ التمويل اللازم، وإعادة إعمار غزة، لن يحدث طالما بقيت حركة حماس في صدارة المشهد السياسي الفلسطيني في غزة.

اللافت في هذه الحملات أنها برّأت الاحتلال تمامًا من مسؤولية تدمير غزة، وشَكّلت لنتنياهو ويمينه المتطرف أرضيةً خصبةً لاتهام حماس والمقاومة الفلسطينية أنّها هي من تسببت بتدمير غزة، وهي فكرةٌ لها دلالاتُها الاستراتيجية بعيدةَ المدى حول جدوى المقاومة، وعدم قدرة الفلسطيني على مواجهة الظلم والاضطهاد الذي يتعرض له منذ قرن مضى من الزمن، بمعنى أنها تطالب الفلسطيني بِتَقَبُّل التعايش مع الاحتلال، والقبول بحياة عبوديةٍ ذليلةٍ في كنف دولة "إسرائيل" القوية، والتي تعتبر الفلسطيني "حيوانًا بشريًّا" لا أكثر؛ بحسب توصيف قادتها ومسؤوليها.

والأشَدُّ خطورةً في هذه الحملات الإعلامية التي انبرى للانخراط فيها بعض الكُتّاب الفلسطينيين والعرب الذين لم يؤمنوا يومًا بخيار المقاومة المًسلّحة أو جدواها، أن أهدافَها تتواءم تمامًا مع أهداف الاحتلال، والتي من أجلها قام بتدمير غزة وقتل أهلها، حيث أعلن نتنياهو منذ اليوم الأول للعدوان أن هدفه الكبير هو القضاء على حركة حماس، وتدمير مُقدّراتها، وتقويض سلطتها في غزة، وأنه لن يقبل إنهاء الحرب طالما بقيت حماس في صدارة المشهد الفلسطيني في غزة، بمعنى آخر أن المستفيد الأبرز من هذه الحملات هو الاحتلال نفسُه، وهذا يضع علامات استفهام كبيرة على المشاركين في هذه الحملات الإعلامية الهادفة إلى الطعن بالمقاومة وتشويه صورة القادة الذين قدموا أرواحهم وعوائلهم وأغلى ما يمتلكون ضمن معركة "طوفان الأقصى".
 
ما يثير الاشمئزاز في هذه الحملات المُضَلِّلة أنها تركزّ على الأثمان الباهظة التي دفعها الشعب الفلسطيني في هذه المعركة الكبرى، متجاهلين تمامًا مُنجَزات المقاومة في كشف هشاشة "إسرائيل" في السابع من أكتوبر 2023م، وأنها نجحت وبجدارةٍ منقطعة النّظير في توجيه ضربةٍ عسكريةٍ وأمنيةٍ للاحتلال؛ هي الأكبر في تاريخ الصراع بشهادة المُحتَلّين أنفسِهم، وأنها هشّمت نظرية الردع التي بناها جيش الاحتلال طيلة عقود مضت، وفضحت كذب الرواية الإسرائيلية للصراع أمام شعوب ومجتمعات العالم، وأسهمت في إعادة تشكيل الرأي العام الدولي ضد كيان الاحتلال بفِعل الثبات الفلسطيني على الأرض.

والأشدُّ قُبحًا في هذه الحملات المُضَلِّلة أنها ركّزت على زاويةٍ واحدةٍ فقط من زوايا الصراع، حيث سلّطت الضَوْء على مشاهد معاناة الفلسطينيين باعتبارها نتاج تَهوّر المقاومة ورجالاتها، لا بفِعل الإجرام الإسرائيلي الذي أثبتته محكمة الجنايات الدولية حين وجهت إتهاماتٍ غير مسبوقةٍ لنتنياهو ووزير جيشه السابق "يوآف غالانت" واصفةً إياهما بأنهما "مجرمَيْ حرب" بسبب جرائمهما الشّنيعة في غزة، وفي المقابل وجدنا هذه الحملات قد تجاهلت تمامًا استمرار المقاومة الباسلة في عموم محافظات قطاع غزة، ويكفينا الاستشهاد بعمليات المقاومة البطولية في جباليا وشمال غزة، التي كبّدت الاحتلال أربعين قتيلًا  -بحسب اعترافه- من ضباطه وجنوده في حملته العسكرية المتواصلة شمال غزة، وأن الرشقات الصاروخية المباركة التي تضرب مستوطنات غلاف غزة، ما زالت تنطلق من بيت حانون أقصى شمال غرب قطاع غزة؛ لتصل القدس المحتلة بعد 449 يومًا من حرب الإبادة في غزة. 

نقطةٌ مهمةٌ روّجت لها تلك الحملات الخبيثة؛ ألا وهي أن محور إسناد المقاومة فشِل وتفكك وتخلًى عن غزة، وأن المقاومة الفلسطينية باتت وحدها في الميدان، وأن عليها الاستسلام للحفاظ على من تبقى من الشعب الفلسطيني، وهنا مهم التذكير بأن قضية فلسطين هي قضية الأمة العربية والإسلامية جمعاء، وكما سارعت الولايات المتحدة الأمريكية ومختلف الدول الأوربية بحكوماتها وجيوشها للدفاع عن قاعدتها العسكرية المُتقدّمة المسماة "إسرائيل" مباشرةً بعد

انطلاق "طوفان الأقصى"، فإن تحريضَ الأمّة هو واجبٌ تقوم به المقاومة الفلسطينية، وأن مشاركة أحرار الأمّة -بمختلف مكوناتها وطوائفها- في معركة "طوفان الأقصى"، واستشهاد خيرة شبابها وقادتها دفاعًا عن القدس وفلسطين هو شَرَفٌ ورِفعةٌ حتى لو أُزهِقت في سبيلها الأرواح والأنفس والمُقدّرات، وقراءتُنا المُتَأنِّية للمشهد بعد "طوفان الاقصى" -رغم المرارة والألم والمعاناة التي أصابت غزة وأهلها نتيجة العدوان- بأن التغييرات الاستراتيجية التي أحدثتها معركة "طوفان الأقصى" في المنطقة والعالم ستقود إلى مواجهةٍ حتميةٍ في المنطقة؛ ستكون نتيجتُها النّهائية تحرير القدس، وانهيار هذا الكيان الإجرامي الذي يُسَمّونه "إسرائيل".
 
ختامًا فإنّ المُتَصهينينَ المُنْهزمينَ الجُهَلاءَ وحدهم يمكن أن يقتنعوا بأن المقاومة الفلسطينية؛ وفي طليعتها حركة حماس وشقيقاتِها في فصائل المقاومة ستستجيب يومًا لدعوات إلقاء السلاح والاستسلام للاحتلال المُجرم، وعلى أولئك الموتورين أن يفهموا أن من اتّخذ قرارًا بإطلاق شرارة "طوفان الأقصى" كان يُدركُ تمامًا المآلات والأثمان الباهظة للطوفان، والمؤكد اليوم أنّ المقاومة ورجالاتها ما زالوا بعد خمسة عشر شهرًا على المواجهة العسكرية مُسْتَمسكينَ بأسلحتهم، ويلاحقون تَجَمُعات عدوّهم المُتَوَغّلة في عُمق قطاع غزة، عازمين على دحر المُحتل من غزة ابتداءً، وملاحقته في كلّ شبر من أرضِ فِلَسْطين حتّى يندحرَ عنها في المستقبل القريب بإذن الله.