أولاً: علامَ الاستغراب والاستهجان والشجب والاستنكار والتعبير عن الامتعاض من تنامي العنصريّة حتى الفاشيّة في كيان الاحتلال، الذي أُقيم في سابقةٍ تاريخيّةٍ على أرضٍ عربيّةٍ-فلسطينيّةٍ في أبشع جريمةٍ ارتُكِبت على مرّ التاريخ الإنسانيّ، فدولة الاحتلال كانت عنصريّةً وصارت فاشيّةً، المجتمع الصهيونيّ لم يتغيَّر، لأنّ الإنسان بطبيعته لا يتغيَّر، بل ما جرى في انتخابات الكنيست الصهيونيّ الأخيرة أسقط القناعَ عن القناع وبات عارهم يسير عاريًا: فالصهاينة منذ تأسيس هذه الحركة الاستعماريّة في أواخر القرن الـ 19 آمنوا وما زالوا بأنّ “أرض إسرائيل الكاملة”، أيْ فلسطين التاريخيّة، هي خاصّتهم، ولذا يتعيَّن عليهم إقامة مملكة إسرائيل خالية ونقية من الأغيار، أيْ غير اليهود.
ثانيًا: قالها كارل ماركس، وها نحنُ نُعيد تذكير أنفسنا بها: “التاريخ يعود على نفسه مرّتيْن، مرّة كمهزلةٍ ومرّةٍ كمأساةٍ”، وما نعيشه اليوم هو مزيجٌ من المأساة والمهزلة، ولكن قبل الولوج في الإسقاطات والتداعيات والتبعات، من واجِبنا الأخلاقيّ والوطنيّ الإشارة إلى أنّه في بدايات الألفيّة الحاليّة، أقامت إسرائيل الرسمية الدنيا ولم تُقعدها عندما انتخب الزعيم النمساويّ يورغ هايدر، بانتخاباتٍ ديمقراطيّةٍ، وتحوّل ديوان رئيس الوزراء الكيان إلى مكتب علاقاتٍ عامّةٍ، وأعلن الحرب الضروس على انتخاب هايدر، باعتباره وفق المفهوم الإسرائيليّ، مُكملاً لنظرية هتلر النازيّة، وهي النظريّة، التي نحن كبشرٍ نعتّز بالانتماء الأوّل والأخير للإنسانيّة، نرفضها جملةً وتفصيلاً.
المساعي الإسرائيلية الحثيثة التي قادها رئيس الوزراء آنذاك، ايهود براك، لنزع الشرعيّة عن هايدر دفعت بالزعيم المنتخب ديمقراطيًا في النمسا إلى التنحي عن منصبه، وبذلك سجّلت الدولة العبرية سابقةً سياسيّةً لم يعرفها العالم من ذي قبل: دولةٌ عنصريّةٌ ومارقة بامتياز، أيْ الدولة العبرية، تمكنت من الإطاحة بزعيمٍ أوروبيٍّ في بلادٍ بعيدةٍ جغرافيًا وسياسيًا عن إسرائيل. (هايدر وُجِد في العام 2008 مقتولاً في “ظروفٍ غامضةٍ”).
ثالثًا: هذه السابقة التاريخية شجعّت حكّام تل أبيب على التدخل في شؤون دولٍ غربيّةٍ عديدةٍ، مُتسلحةً بالقول الممجوج والمشروخ بأنّ كلّ دعمٍ يُقدّم من شعوب هذه الدول إلى الشعب الفلسطينيّ، نابعٌ من كره اليهود، أوْ ممّا يُسمى إسرائيليًا بمعاداة سامية، وكأنّ العرب ليسوا ساميين، أي أنّ كيان الاحتلال وماكينته الدعائية المجتهدة في أصقاع العالم من أقصاه إلى أقصاه، احتكرا هذا المصطلح وبات كلّ اعتداءٍ على يهوديٍّ في أيّ جزء من هذه البسيطة يدخل في إطار معاداة السامية.
رابعًا: اللافت، ولكن المتوقع، في الانتخابات الصهيونيّة الأخيرة حصول الأحزاب الدّينيّة المُتزمتّة، العنصريّة والفاشيّة، على نسبةٍ كبيرةٍ من الأصوات، منحت المُتهّم بالاختلاس وتلقّي الرشاوى وخيانة الأمانة، بنيامين نتنياهو، الفرصة السانِحة لتشكيل حكومته السادسة، حكومة يمينيّة خالصة، ولكنْ هنا علينا الاستدراك والتأكيد أنّ ما جرى هو تحصيل حاصل، إذْ أنّ المجتمع الصهيونيّ هو مجتمع عنصريّ بدرجاتٍ مُتفاوتةٍ، وقائمٌ على نفي الآخر، والتعامل مع “الأغيار” باستعلاءٍ وكبرياءٍ وعنجهيةٍ، مُجتمعٌ تسود فيه القيم المُعادية لكلّ مَنْ ينطُق بالضاد، مُجتمعٌ يُساق كالقطيع بفتوى من حاخامٍ متطرّفٍ وحاقدٍ يؤكّد في كتابٍ صادقت عليه سلطات الكيان (الديمقراطيّة)، “أنّه يجِب قتل العرب وهم في سنّ الطفولة لأنّهم إذا كبروا سيُصبحون (مُخرّبين)”.. مُجتمعُ يتلقّف بحميميّةٍ أقوال بروفيسور فاشيّ على شاكله أرنون سوفير، أستاذ الجغرافيا في جامعة حيفا، وهو يُصرّح جهارًا نهارًا “إنّه لا بأس من أنْ نُبقي حاجتنا من الفلسطينيين لجهة استخدامهم في جمع القمامة والعمل في البنية التحتية الرثّة، وكذلك في توفير الخضار والفواكه لنا وكذلك الخدمة في المقاهي والمطاعم”.
خامسًا: العنصريّة الإسرائيليّة المؤسساتيّة والشعبيّة باتت متفشيةً في جميع الأماكن، والتنكيل بفلسطينيي الداخل، أصبح أمرًا مقبولاً ومُرحبًا به في المجتمع الصهيونيّ على مختلف شرائحه ومشاربه، والعنصرية مرشحة للاستفحال أكثر فأكثر مع تشكيل الحكومة الإسرائيليّة الجديدة، فرئيسها نتنياهو، هو صاحب المقولة المشهورة إنّ العرب في إسرائيل هم قنبلة ديمغرافيّة موقوتة.
سادسًا: لا غضاضة في هذه العجّالة بالتذكير بأقوال رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك الإسرائيليّ) الأسبق يوفال ديسكين، بأنّ جهازه سيُلاحِق كلّ عربيٍّ فلسطينيٍّ في أراضي الـ 48 يرفض الاعتراف بإسرائيل كدولةٍ يهوديّةٍ ديمقراطيّةٍ، وهو الشعار الذي يرفضه السواد الأعظم من عرب 48. كما أنّ وزيرة الخارجية السابِقة تسيبي ليفني وضابطة (الموساد) في الماضي هي صاحبة المقولة “المأثورة” بأنّ الدولة الفلسطينيّة العتيدة هي المكان الوحيد للفلسطينيين من ثلاثة أضلاع المثلث: الفلسطينيون في الضفة الغربيّة المُحتلّة وقطاع غزة، والفلسطينيون في إسرائيل والفلسطينيون في الشتات لتحقيق أحلامهم الوطنية، بمعنى أو بآخر، هذه مقولة خطيرة تنادي بشكلٍ مُبطنٍ بترحيل فلسطينيي الداخل إلى الدولة الفلسطينيّة التي ستقوم، ولكن إقامتها بات من رابع المُستحيلات، فالحكومة الجديدة ستعمل على ضمّ الضفّة الغربيّة لسيادة كيان الاحتلال.
سابِعًا: عامي أيلون، الوزير السابق ورئيس جهاز (الشاباك) في الماضي، الذي يفتخر ويتباهى بأنّه قتل فلسطينيين، أكثر من الإسرائيليين الذين قتلتهم حركة (حماس)، فقد قال في مقابلةٍ صحافيّةٍ أدلى بها في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2000 إنّه في حال شعور الدولة العبرية بوجود خطرٍ وجوديٍّ حقيقيٍّ عليها، فإنّها لن تتورّع عن القيام بما قامت به في العام 1948، أيْ القيام بتنفيذ مجازر ومذابح وطرد شعب لإقامة دولة على أنقاضه، ويمكن الإيجاز والقول إنّه في عقل كلّ يهوديٍّ إسرائيليٍّ يُعشعش الفاشي الصغير.
ثامنًا: فيما يتعلق بفلسطينيي الداخل، نقولها بصريح العبارة: إنّا هنا باقون، فلتشربوا البحر، وإذا لم يعجب الفاشي بن غفير وَمَنْ لف لفه، فبإمكانهم العودة من حيت أتوا، ونرى لزامًا على الدول العربيّة والغربيّة، التي تدّعي التنوّر والتقدّم والتطوّر والديمقراطيّة والحفاظ على حقوق الإنسان، أنْ تدرس جيدًا اقتراحنا باستجلاب قوّاتٍ دوليّةٍ لحماية فلسطينيي الداخل من النظام الإسرائيليّ الفاشيّ، فعندما لا تريد الدولة حماية “مواطنيها” (!)، على الأسرة الدولية أنْ تُقدِّم له الحماية، لأننّا لسنا عابري سبيل ولسنا ضيوفًا في موطننا، وليس دولتنا، وعلى المجتمع الدوليّ رغم نفاقه وانحيازه للكيان أنْ يشحذ الهمم لمنع المواجهة القادمة لا محال بين أصحاب الأرض الأصلانيين في فلسطين وبين المستجلبين اليهود إلى أرض فلسطين.