فلسطين أون لاين

قمة عارنا في النقب.. عربٌ أطاعوا رومهم و”كيان” احتلال فلسطين

تُكتَب هذه الكلمات على وقع انعقاد قمة الاستجداء العربية في النقب المُحتل، وزراء خارجية أربع دولٍ عربيةٍ (مصر، المغرب، الإمارات العربية المُتحدة، البحرين) يتهافتون على المكان لتقديم فلسطين، مرةً أخرى، على مذبح التطبيع مع الكيان، يقودهم وزير الخارجية الأمريكية، ممثلًا عن قوى الاستكبار والغطرسة والعنجهية.

قادة الاحتلال، تعمدوا، نعم تعمدوا، عقد القمة بالقرب من مكان قبر مَنْ يُطلِقون عليه مؤسس الدولة اليهودية، دافيد بن غوريون، لكيْ يُذكروا العرب، زعامةً وأمةً وشعوبًا، أن موسم الحج العربي لـ”إسرائيل”، يجِب أنْ يشمل زيارة “ضريح المؤسس”، الذي كان، باعترافٍ صهيوني رسمي، المسؤول الأول والمُباشِر عن النكبة التي حلت بالشعب العربي-الفلسطيني في العام المشؤوم 1948.

بن غوريون، لمعرفة وزراء الخارجية العرب، لم يكُن عنصريًا فقط، بلْ كان فاشيًا: هو، نعم هو، سيداتي وسادتي، مَنْ أمر بفرض الحكم العسكري على الفلسطينيين الذين تشبثوا بأرضهم بعد النكبة، ولولا تهديد الأمم المُتحدة بطرد “إسرائيل” من المنظمة العالمية، لبقي الحكم العسكري إلى ما بعد، بعد العام 1966، وللتنبيه بأن بن غوريون رفض إلغاء الحكم العسكري، ووافق عليه مُرغمًا.

أكثر من ذلك، سعادة وزراء الخارجية، بن غوريون، الذي يُخطط لكم الكيان لزيارة قبره في مستوطنة (سديه بوكير)، المُقامة على الأراضي العربية المسلوبة في النقب، نعم بن غوريون، رفض حمل الهوية الإسرائيلية الزرقاء لأنها تشمل أحرفًا باللغة العربية، لغتكم أيها الوزراء، في الوقت الذي كان العرب في “إسرائيل” يُلزمون بحمل بطاقات الهوية الحمراء، وليس بسبب عمى الألوان.

نميل للترجيح بأنه لا يُخفى عليكم وعلى الشعوب العربية النابِضة بحُب فلسطين، كل فلسطين، من البحر إلى النهر، بأن علاقة تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، بإعلان دولة الاحتلال، هي علاقة المُقدمة الضرورية بنتيجتها، ذلك أنه لم يكُنْ بإمكان نحو 650 ألف صهيوني (في العام 1948) إقامة دولتهم، في ظل وجود نحو 900 ألف فلسطيني (ضمن ما عُرِف لاحقًا باسم دولة “إسرائيل”)، ونتيجةً لذلك، كان على المُنظمات الصهيونية الإرهابية تبني الخيار الإستراتيجي نحو تحقيق ما كان مرسومًا من أهدافٍ.

وبما أن الإبادة التامة كانت غيرُ ممكنةٍ، صار لا بُد من ارتكاب مجازر مدروسة واستغلالها لبث ونشر الرعب في صفوف سكان القرى والمدن في فلسطين ليشعر العرب بأنهم إذا لم ينجوا بأنفسهم سيُواجِهون المصير نفسه. على هذه الخلفية، ليس أمرًا عابرًا أنْ تنفذ مجزرة دير ياسين باعتبارها “الفاتحة” أوْ البداية لما تلاها من مجازر وتهجير، أنْ تُنفذ قبل نحو خمسة أسابيع (9 نيسان) على إعلان دولة “إسرائيل” (14 أيار “مايو” 1948)، وهكذا هُجر بعد المجزرة مئات الآلاف من الفلسطينيين، ليبني مئات الآلاف من الصهاينة دولتهم بعدها، أيْ أن التهجير كان الخيار الوحيد أمام الحركة الصهيونية لإقامة الكيان، اسألوا مُضيفكم من قادة تل أبيب، فلديهم الأجوبة الكافية والشافية.

ولا غضاضة في هذه العُجالة تذكير أصحاب الذاكرة الانتقائية أوْ القصيرة، أوْ الاثنتيْن معًا، بأن الباحث الصهيوني، شاي حزقاني كان قد أشار في صحيفة (هآرتس) العبرية إلى أن معظم المؤرخين الذين تعمقوا في بحث الموضوع، أظهروا إثباتات بأن بن غوريون كان على علمٍ وبشكلٍ مباشرٍ بعمليات ترحيل فلسطينيين، بل صادق عليها، نعم بن غوريون، ولا يُمكِن التشكيك في أقوال المؤرخ “الإسرائيلي” بتاتًا.

حزقاني، غيرُ المشكوك أبدًا في صهيونيته، أكد أن الباحثين الذين تم تكليفهم من قبل بن غوريون لوضع دراسةٍ، لم يُقدموا صورةً كاملةً عن مساهمة “إسرائيل” في خلق قضية اللاجئين، إذْ لم يجرؤ أحد في ستينيات القرن الماضي على الاعتراف العلني بأن إسرائيل هجرت الفلسطينيين. لكن اليوم، وبعد اتفاقات أوسلو المنكودة وأبحاث المؤرخين الصهاينة الجُدُد، لم تعُدْ الرواية الإسرائيلية الرسمية (عن النزوح الطوعي) هي وحدها السائدة في إسرائيل، كما قال.

المؤرخ الصهيوني خلُص إلى الاستنتاج بأن الجدل لم يعُد في شأن قيام الجيش الإسرائيلي بتهجير الفلسطينيين من منازلهم عام 1948 أوْ أنه لم يسمح للمُهجرين بالعودة إلى ديارهم، إنما يتناول سؤالًا مفتوحًا: هل وضع بن غوريون خطةً واضحة المعالم لتنفيذ عمليات الترحيل، مُشددًا في الوقت عينه على أن هذا السؤال يبقى مفتقرًا إلى جوابٍ طالما واصلت الرقابة العسكرية إطباق قبضتها على أرشيف إسرائيل، وفق أقواله.

ومن المُفيد جدًّا تذكير وزراء الخارجية العرب بمقولةٍ بن غوريون لابنه عاموس، والتي تُدلل على مدى حقده الدفين والعلني على الأمة العربية، وهي المقولة التي نشرها الإعلام الصهيوني: “عندما نُصبِح دولةً قويةً على العرب أنْ يدركوا أن مصلحتهم في أن يصبحوا حلفاءنا”.

فلسطين، قضيةً وشعبًا، تم تغييبها عن “قمة النقب”، التي تنعقِد على أراضيها المسلوبة، ولكن لا إسرائيل ولا قائدة الإرهاب العالمي، أمريكا، ولا الرجعية العربية، ولا وزراء الخارجية العرب، جميعهم أوهن من أنْ ينزعوا حُب وإخلاص وتفاني وتضحيات الشعوب العربية لقضية العرب المركزية، قضية فلسطين.

كَمْ كان صادِقا وثاقب الرؤية الشاعِر الفلسطيني الكبير والمُرتحِل، محمود درويش، في قصيدته “مديح الظل العالي” عندما قال: “عَرَبٌ أطاعوا رومَهم ..عربٌ وباعوا روحهم..عربٌ وضاعوا…سقط القناع عن القناع”.

المصدر / رأي اليوم