قرأت قبل مدة فكرة جميلة أعجبتني جدًّا، كانت تتحدث عن الرسائل الربانية التي يوجهها الله إلينا، وكانت تختص بالرسائل القرآنية، فهي تتمحور حول أن تجمع الآيات القرآنية التي تواجهك في أثناء القراءة أو الاستماع للقرآن الكريم، وتكتب في كل مرة الآية التي تشعر أنها تخاطبك لذاتك على ورقة ملونة بخط جميل، ثم تجمع هذه الرسائل في صندوق، وإذا ما ضاقت عليك السبل فافتح صندوق الرسائل الربانية واقرأ رسائل الله إليك.
تأملت الفكرة، كانت جميلة وممتعة في الوقت نفسه، إذ يستشعر المرء مخاطبة الله له ولذاته في جميع أحواله وأموره، ولكن مع مرور الوقت وجدت أن الرسائل الربانية موجودة في كل شيء بالكون من حولك، وهي غير مقترنة بالآيات القرآنية فقط، إنما يتسع إطار وجودها إلى كل المحيط من حولك، في الأحاديث العادية والمواقف العابرة والكلمات اليومية المعتادة، والروتين اليومي الذي يتسلل إلينا كل يوم في حين أنه يحتوي على أسرار ورسائل جميلة.
ولكن كيف السبيل إلى إزالة الستار عن هذه الرسائل، ومعايشتها بشكل طبيعي وجميل؟، سألت نفسي فكانت الإجابة عندما أيقنت أنه من الصعب اكتشاف الرسائل الربانية دون أن تكون معتادًا توجيه الرسائل إلى الله من الصغر، وهنا استوقفني ما قرأته قبل سنوات عن مطالبة معلمة في مدرسة أمريكية الأطفال الذين تدرسهم بأن يوجهوا رسائل إلى الله في (الكريسماس)، يسألونه عن أحلامهم وأمنياتهم، أو يوجهون إليه أسئلة مما يخفق آباؤهم والمعلمون في الإجابة عنها.
بطبيعة الحال إن الأسئلة والرسائل اختلفت وتنوعت، فكان منها البريء الذي كان عبارة عن استفسارات نابعة من جهلهم بالحياة، ومنها ما كان أدعية عادية، جاء ذلك تِبعًا لشخصياتهم وسنهم وظروفهم الأسرية، ومنها ما كان العميق والكوني والجميل، لفتت انتباهي رسالة أحدهم وكان اسمه "إيدين"، يقول في رسالته: "عزيزي الله، الأشرار سخروا من نوح: "تصنع سفينةً فوق الأرض الجافة أيها الأحمق؟!"، لكنه كان ذكيًّا، كان ملتصقًا بك، هذا ما سوف أفعله أيضًا- إيدين".
فهم الصغير أن مدى التصاقك بالله هو ما يحقق لك النجاح والسعادة، مهما كانت فكرتك عصية أو غير مقبولة اجتماعيًّا، وبغض النظر عن الظروف المحيطة والعوامل البيئية المختلفة والقيود المجتمعية التي تحدّ من مهاراتنا دومًا، ولا يخرج عن أُطرها وانغلاقها إلا كل مُبدع ومتميز استعصم بالله وتوكل عليه وآمن بنفسه ووثق بقدراته وذاته.
إن الرسائل الربانية متبادلة، فلا يمكنك _عزيزي القارئ_ أن تكتشف كل الرسائل التي يوجهها الله إليك في اليوم والليلة بأسلوب واحد تتبعه وقد لا تكون ناجحًا في اتباعه، فالله لا يكف عن إيصالنا بحبله الممدود إلينا على اتساع المدى، ولكن نحن الذين نقصر في اتباع الطريق الذي ترسمه الرسائل إلينا، فإن اكتشاف ذلك مرهون بمبادرتك منذ البداية بتوجيه الرسائل إليه ومخاطبته، وتعود الحديث المنفرد منك إليه وحدكما بلا أي وسيط.
من الجميل أن يرى الأبناء أن لآبائهم أمورًا خاصة تختص بعلاقتهم بالله، كالدعاء والرسائل المتبادلة، وهذه الكلمات الجميلة التي تعزز اتصالهم بالله (عز وجل)، أتفهم أنها قد تكون خاصة إلى حد ما في وقتها، ولكن حبذا لو أطلع الأبناء على بعضها بعد أن تتحقق من باب التعليم والقدوة، ولتكون رسائلهم إلى الله ورسائل الله إليهم نهجًا جميلًا يسهل إليهم الدروب المتعثرة.