في 28 ديسمبر/ كانون أول 2012م، بدأت معاناة عائلة أبو رجب، حينما اقتحم منزلهم الواقع قرب الحرم الإبراهيمي بشارع الشهداء في البلدة القديمة بمدينة الخليل، نحو 40 مستوطنًا يهوديًا تحت حماية من قوات الاحتلال الإسرائيلي.
يومها أخرجت قوات الاحتلال العائلة من المنزل عنوة، وسمحت للمستوطنين باقتحامه والاستيطان فيه بدل إقامة أصحابه الأصليين.
وفي اليوم التالي، بدأت العائلة رحلة أصعب مع قضاء الاحتلال، حيث رفعت قضية ضد المستوطنين في أحد المحاكم، وحصلت على قرار بإخلاء المنزل منهم إلى حين صدور قرار المحكمة النهائي الذي أصدرته بعد شهر من الحادثة ويقضي بعدم أحقية المستوطنين للمنزل.
كان القرار بمثابة "ذر للرماد في عيون" عائلة أبو رجب ولتجميل صورة قضاء الاحتلال، إذ إن القضية استمرت ست سنوات في محاكم الاحتلال وعقدت 20 جلسة حتى وصلت القضية لما تسمى المحكمة الإسرائيلية العليا، التي قبلت استئناف المستوطنين، ليصبح القرار القضائي الأول بمثابة حبر على ورق، فعلى الأرض جرت عملية اقتحام لبناية أبو رجب في 25 يوليو/ تموز الماضي بحماية جيش الاحتلال وما زال المستوطنون يمكثون فيها.
ويرجع تاريخ بناء عمارة عائلة أبو رجب، إلى ما قبل 650 عاما، ويقول حازم أبو رجب أحد أفراد العائلة المالكة للبيت: "إن العمارة تضم عشر شقق سكنية بها جزء قديم يعود لمئات السنين، وجزء جديد استحدث قبل 30 عاما، وهو الجزء الذي اقتحمه المستوطنون واستولوا على شقتين منه بمساحة 80 مترا لكل شقة".
ويضيف أبو رجب لصحيفة "فلسطين": أن هناك 120 وريثا من عائلة أبو رجب للمنزل، وأن المنطقة المقابلة لساحة الحرم الإبراهيمي برمتها تعيش معاناة حقيقية نتيجة استفزازات المستوطنين، واعتداءاتهم اليومية بالضرب على النساء، فضلا عن ألفاظهم البذيئة.
وللعمارة رمزية كبيرة، والقول لأبو رجب، فهو أول بناء بعد سور البلدة القديمة المقابل لساحة الحرم الإبراهيمي، وهي أعلى الأماكن المطلة على الحرم.
ويبين أن جيش الاحتلال استولى على سطح المنزل مع انطلاق أحداث انتفاضة القدس في الأول من أكتوبر/ تشرين أول 2015م وحوله لنقطة عسكرية.
ولم يقتصر الأمر على بيت أبو رجب، فمنذ نهاية الشهر الماضي، اقتحم مستوطنون أربعة منازل أخرى بالمنطقة، بعد منح رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الضوء الأخضر للمستوطنين باستباحة منازل الفلسطينيين في الخليل، كما أشار أبو رجب، مؤكدًا أنه لولا حماية جيش الاحتلال لهؤلاء المستوطنين لما استطاعوا اقتحام المنازل.
وتابع قائلًا: "نعيش في معاناة يومية في المنطقة التي لا تتجاوز مساحتها أربعة كيلو متر مربع، والمليئة بالحواجز العسكرية، إذ يجب علينا أن نتجاوز أربعة أو خمسة حواجز في طريق عودتنا للمنزل، ويقوم الاحتلال بتفتيشنا بشكل مذل حتى أغراضنا تتعرض للتفتيش مرارا وتكرارا".
لا تنتهي مضايقات المستوطنين في المنزل منذ نهاية الشهر الماضي إذ قام أحدهم بشكل متعمد بالتبول من شرفة الشقة التي استولوا عليها، على الشقة السفلية التي تسكن بها عائلة أبو رجب، كما يقول.
ويسرد حادثة يقول إنه لن ينساها، فمع بداية شهر يوليو الماضي وعند الساعة الواحدة ظهرا، سمعت والدته صوت سيارة مستوطنين تتوقف أمام المنزل، وما أن فتحت النافذة حتى نزل مستوطن يحمل مواد حارقة، ووضع سلما على حائط العمارة يريد اشعال النار في البيت، لكن أفراد العائلة منعوه من ذلك، منوها إلى أن شرطة الفحص الجنائي الإسرائيلية جاءت وقامت بإخفاء كل بصمات ذلك المستوطن.
ويصف ما تعيشه العائلة قائلا: "نتعامل مع مجموعات مليئة بالحقد والكراهية والغطرسة والتعذيب والتنكيل بحق سكان المنطقة لدفعهم إلى الهجرة من خلال هذا المخطط الاستيطاني التهويدي للمنطقة الذي يهدف لتفريغها من سكانها الأصليين، وإحلال المستوطنين مكانهم".
ويتابع: "من استولى على الشقق جمعيات استيطانية. كل يوم تأتي بحافلات مستوطنين يمكثون عدة ساعات، ومن ثم يغادرون ويأتي غيرهم"، مردفا: "الوضع في المنطقة خطير نحن نخشى على أطفالنا وزوجاتنا ولا نسمح لهم بالخروج وحدهم خشية من اعتداءات المستوطنين".
وبسؤاله حول دور السلطة في رام الله في متابعة الأمر، رد بالقول: "السلطة غائبة ولا يوجد لها أي دور ولا تحرك ساكنا، فالمنطقة تتعرض للتهويد منذ 15 عاما، في ظل اعتداءات الاحتلال اليومية على أهل المنطقة".
بدوره، قال الخبير في شؤون الاستيطان من مدينة الخليل عبد الهادي حنتش: "إن الهدف الأساسي من اعتداءات المستوطنين، محاولة السيطرة على مبان فلسطينية تاريخية، تعود إلى 5 آلاف عام بهدف طمس المعالم الإسلامية والتاريخية بالبلدة القديمة بالخليل، وضمها إلى التجمع الاستيطاني (كريات أربع) في المدينة".
وأضاف حنتش لصحيفة "فلسطين": "هناك تداعيات سلبية على المواطن الفلسطيني من هذه الاعتداءات، لأن جيش الاحتلال يعطي الضوء الأخضر لمستوطنيه بالاستيلاء على المزيد من المنازل"، منوهًا إلى أن هناك مخططا كبيرا للاستيلاء على العديد من المنازل بالبلدة القديمة بالخليل وتحويلها لبؤرة استيطانية لربط جميع البؤر الاستيطانية بالخليل ببعضها البعض.