يقضي المهندس المعماري محمد حلس أوقاتًا طويلة في ورشته الخاصة بالمشغولات الخشبية، فيتفنن في تشكيل الأخشاب الطبيعية لمنتجات متنوعة، ليجعل من موهبته مشروعًا خاصًّا يدر عليه دخلًا في ظل ندرة فرص العمل في قطاع غزة، يستعين في ذلك بما تعلمه من أساسيات التصميم في أثناء الدراسة الجامعية.
فبعد أن أنهى محمد (29 عامًا) من سكان حي الدرج في مدينة غزة دراسته الجامعية في مجال الهندسة المعمارية لم يستسلم لقلة فرص العمل وبحث عن مشروع خاص يُمكنِّه من إدرار دخلٍ مادي بدلًا من انتظار وظيفة قد لا تأتي قريبًا!
استظلَ محمد بظل هوايته منذ الصغر وهي صناعة المشغولات الخشبية، التي كان يمارسها في سنوات الدراسة، فافتتح مشروعًا صغيرًا سماه "الفريد للصناعات الخفيفة"، مستعينًا بما درسه من فنون التصميم في الهندسة.
ولقد ساعده على تنمية موهبته في المشغولات الخشبية دروس النجارة والحدادة التي كان يتلقاها في أثناء دراسته في المرحلة الإعدادية في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، فقد كان متميزًا في تلك الحصص ينال إنتاجه إعجاب مدرسيه.
ويقول محمد: "كنت أصنع أيضًا أدوات خشبية وألعابًا للأطفال في الحي لنلعب بها في الإجازة الصيفية، أما في مرحلة الدراسة الجامعية فكنتُ أصنع المجسمات للمشاريع الهندسية باستخدام الألواح الخشبية بدلًا من مادة الكرتون، شيئًا فشيئًا تملكتُ الشجاعة لاستخدام أدوات جديدة في تلك الحرفة وإنتاج تصاميم جديدة".
الهندسة صقلت موهبتي
ويوضح أنه صقل موهبته في الأشغال الخشبية من خلال تخصصه الجامعي الذي عرَّفه بـ"أساسيات التصميم، والتحليلات الهندسية للأشكال"، مشيرًا إلى أن لكل قطعة أسلوبها وطريقتها الخاصة سواء بالعمل اليدوي أو عبر الآلات الحديثة المختصة بالنحت من خلال الكمبيوتر.
وينتج محمد في ورشته أدوات مطبخية ومكتبية ومنتجات ترويجية للمطابع والشركات وألعابًا للأطفال، ونماذج مشاريع، كما يعمل على صيانة أي منتجات خشبية قديمة يأتي بها الزبائن إليه.
علاقةٌ من الانسجام والتناغم تربط بين المعماري محمد والخشب لكونه مادة سهلة التشكيل وفق التصميم الذي يريده، فلا يُقلد منتجات أحد بل يضع تصاميمه الخاصة التي ميَّزته عن غيره، وجعلت هناك إقبالًا لم يتوقعه على منتجاته في الداخل وحتى أخذها آخرون كهدايا لأصدقائهم في الخارج.
ويشير إلى أن اتسويق المنتجات الخشبية يتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب التوزيع على المتاجر المحلية المختصة، "أصبح لدينا زبائن دائمون يترددون باستمرار لشراء المنتجات الخشبية، ويتهادونها بالمناسبات السعيدة، نظرًا لتميزها ودقتها".
عملية الإنتاج في ورشة محمد تبدأ بجلب الأخشاب، ثم رسم التصميمات واختيار نوعية الخشب المناسبة لها، "فالخشب الطبيعي يكون مميزًا بأن كل قطعة مختلفة عن الأخرى، لذلك نختار القطعة التي تناسب الشكل والمنتج الذي ننوي صناعته".
وينفذ محمد أيضًا كل ما يريده زبائنه حتى لو لم يكن دارجًا، "حتى إننا أنتجنا أشياء كانت تُستورد من الخارج كقوالب المعمول وغيرها من المنتجات المنزلية".
وقد حول جزءًا من بيته لورشة نجارة خاصة وضع فيها الأدوات اليدوية والكهربائية وصار يخزن فيها الأخشاب التي يحصل عليها إما عن طريق الشراء أو هدايا من المحيطين به، أو أخشاب مستعملة.
يقول محمد: "في هذه الآونة تعلمتُ المزيد عن الخصائص الطبيعية والمصنّعة للخشب بمتابعة الكتب والمجلات الدورية التي تتحدث عن الأعمال الخشبية عن طريق الإنترنت".
ويتابع: "بدأت المشروع منذ حوالي عشر سنوات، كان مشروعًا صغيرًا وكنت أجلب الآلات واحدة تلو الأخرى، بدأتُ بآلات يدوية بعدها جلبت أدوات كهربائية".
ويمضي إلى القول: "بعد أن ننتج المشغولات بعض القطع نعرضها في الورشة، في حين نجهز ونغلف أخرى وتُرسل للزبائن مباشرة".
وينبه إلى أن أسعار المشغولات الخشبية التي يصنعها، متواضعة جدًّا، نظرًا للأوضاع الاقتصادية العامة في قطاع غزة.
وتطرق محمد في حديثه إلى الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، كإحدى أهم الصعوبات التي تواجهه في عمله، وصعوبة إدخال بعض المواد الأساسية في العمل إلى قطاع غزة بسبب الحصار الإسرائيلي، إلى جانب عدم القدرة على تصدير المنتجات دوليًّا.
ويطمح بأن يوسع مشروعه ليشمل جميع الانتاجات الخشبية والمعدنية ليغطي السوق المحلي بمنتجاته ويتمكن أيضًا من التصدير للخارج.