الجميع شاهد حجم الفرحة العارمة التي عمت مدينة القدس بعد منتصف الليلة الماضية حينما شرعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بإزالة الجسور والحواجز الحديدية التي وضعتها بمنطقة باب الأسباط في المسجد الأقصى بمدينة القدس. وانطلقت التكبيرات والتهليلات والشعارات الوطنية، وعلت من قبل المرابطين أمام أبواب المسجد الأقصى، فرحاً بالنصر.
ففريق المفاوضات منذ عام 1994م، وما قبل ذلك التاريخ -الذي يتبناه رئيس السلطة محمود عباس- وهو يراهن على خيار الحل السلمي وتبني نهج التفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي، فلسان حاله أنه يقول جربنا الحل العسكري والمواجهة المباشرة مع العدو الإسرائيلي منذ معركة الكرامة عام 1968م، مرورًا بحرب عام 1973م، التي خاضها الجيش المصري، وانتهاءً بمعركة بيروت عام 1982م، ولم نحقق شيئا ملموسًا على ولم نسترد الأرض، إلى أن جاء عام 1991م، وجلس الفلسطينيون والعرب مع (إسرائيل) وبدأت بعد ذلك اللقاءات بين الطرفين ودخلنا المربع السياسي وحققنا فيه انتصارات – من وجهة نظر فريق أوسلو- الذي اعتبروها نصرًا في ظل الضعف العربي الحالي والمتغيرات الإقليمية والدولية في تلك الفترة وتفكك الحليف السوفييتي حينها. وتم توقيع اتفاق (السلام) المعروف باتفاق أوسلو(1)،(غزة - أريحا أولا) في حديقة البيت الأبيض عام 1993م.
فـ(إسرائيل) منذ عام 1994م، لا تريد أن تبقي السلطة الفلسطينية في المربع السياسي فهي تحاول أن تجرها إلى المربع العسكري عن طريق استفزازاتها المستمرة مثل حفر أنفاق تحت المسجد الأقصى عام 1996م، تارة، ومرة ببناء مستوطنة ضخمة فوق جبل أبو غنيم ومرة أخرى وبتدنيس المسجد الأقصى عام 2000م، واستطاعت أن تُدخِل الفلسطينيين في المربع العسكري مرة أُخرى عن طريق الانتفاضة المسلحة عام 2000م، إلى أن احتلت الضفة الغربية في أبريل عام 2002م، وشرعت ببناء الجدار العازل في يونيو من نفس العام، ونسفت كل التفاهمات السابقة ووجدت بذلك من يؤيدها من المجتمع الغربي.
فمنذ عام 1948م، و(إسرائيل) تحاول أن تجعلنا في المربع العسكري الذي تجيد استغلاله جيداً، وبقيت مسيطرة على فلسطين التاريخية وشبه جزيرة سيناء والجولان السوري المحتل، وهي موجودة معنا في نفس المربع وهو (المربع العسكري).
فها هم الفلسطينيون أثبتوا للمرة الثانية أنهم يُجيدون العزف على سيمفونية المقاومة واستطاعوا تلقين المحتل الصهيوني الدرس تلو الآخر بعدما نجحوا في إدارة انتفاضة الأقصى (انتفاضة السكاكين) وزرعوا في قلوب الصهاينة الرعب بمقاومتهم لمشروع تقسيم المسجد الأقصى زمانيًا ومكانيًا ونجحوا في الضغط على حكومة نتنياهو وإزالة البوابات الإلكترونية والحديدية ورفع الكاميرات والجسور الضخمة التي وضعها الجيش الإسرائيلي على بوابات المسجد الأقصى وبذلك يكونون قد أوصلوا رسالة إلى القيادة الفلسطينية القابعة في مقاطعة رام الله بأن خيار المقاومة هو الخيار الأوحد على طريق تحرير فلسطين، وأن (إسرائيل) تعمل حسابا للمقاومة الفلسطينية أكثر مما تخشى منه حينما تواجه الفلسطينيين على طاولة المفاوضات، وهذا النهج الذي تتبناه (إسرائيل) منذ أكثر من 40 عاما، والتي تجيد استخدامه جيدا من أجل كسب مزيد من الوقت لاستكمال بناء الجدار العازل حول الضفة الغربية وتقسيم القدس وبناء مزيد من البؤر الاستيطانية لفرض واقع جديد على الأرض.
فالمطلوب من قيادة السلطة تبني خيار المقاومة الذي أثبت نجاعته في الأحداث الأخيرة التي حصلت منذ منتصف يوليو / تموز الحالي- والتي لقنت حكومة نتنياهو درسا لن ينساه طوال فترة مكوثه في الحكم- ورفض مسار المفاوضات الذي أثبت فشله، ودعم وتبني انتفاضة القدس ووقف التنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي وإطلاق يد المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، وهو ما تخشاه (إسرائيل) في المرحلة القادمة.