بصمتٍ كان يعمل على حشد السلاح في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وبسرية كاملة كان يعد العدة لإشعال شرارة الانتفاضة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، في وقتٍ ظن الأخير أنه استطاع إبعاد الشعب الفلسطيني عن قضيته، وأن مشاريع التسوية التي سبقت ذلك ابتلعت الحق والأرض الفلسطينية دون رجعة، لكن كان للشيخ المؤسس أحمد ياسين ورفاقه كلمة بددت أحلام المحتل وغيرت مسار القضية الفلسطينية.
فعن كرسيه المتحرك كان الياسين إمامًا أحيا أمته، وقائدًا وطنيا لشعبه، ومؤسسًا فذًّا لحركة المقاومة الإسلامية حماس، تحدى الاحتلال في حياته ولا يزال يلاحقه بعد استشهاده بمبادئه ومفاهيمه، فالجيش الذي بنى نواته الأولى بعدد قليل من الأفراد والبنادق أصبح جيشًا كبيرًا ويصنع معادلات ردع.
وعُرف عن الشيخ ياسين صلابة مواقفه، وأدرك أنه لا خيار سوى خيار المقاومة وأن ما "أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" أمام حالة حياكة المؤامرات ضد القضية الفلسطينية، والتراخي والتسويف من الأنظمة والجيوش العربية، وفق ما يقول عضو المكتب السياسي لحركة حماس د. صلاح البردويل لصحيفة "فلسطين".
وأضاف البردويل أن الشيخ ياسين أنشأ جيلا على أساس قوي من العقيدة، فركز جهده في التربية كأساس يجب أن يتحلى به الرجل المقاتل الذي لا يأبه بشيء، ويضحي بكل شيء حتى الروح من أجل تحرير البلاد والعباد.
وتابع أن الشيخ ياسين زرع في الجيل مفهوم تحرير الأرض، وأن أرض فلسطين حرام على الاحتلال، ويجب ألا نخشى اختلاف موازين القوى حتى لو كانت مختلة بيننا وبين أعدائنا، لأن الوعد القرآني يبشرنا بأن ننتصر في فلسطين وتكون لنا الغلبة.
حشد بصمت
ولفت البردويل إلى أن الشيخ ياسين اعتمد في كل محاضراته وأحاديثه وتعاليمه إلى أبنائه أساس التربية، وحينما حانت الفرصة لتدشين حركة حماس بدأ بجمع السلاح عام 1983، وحشده بصمت وهدوء للوصول إلى حالة من المقاومة السرية، كما فعل الشيخ عز الدين القسام من قبله على قاعدة "استعينوا على قضاء حوائجكم بالسر والكتمان".
وفي لحظة مفصلية، اجتمع الشيخ ياسين مع رفاقه الستة في تأسيس حماس على طاولة قرار لإيقاد شعلة "الثورة" التي تغمر قلوب كل الفلسطينيين بعد جريمة دهس نفذها المستوطن الإسرائيلي هرتسل بوكبزا بشاحنة في شمالي قطاع غزة نتج عنها استشهاد أربعة عمال، تحركت معها عاصفة المواجهة مع الاحتلال عام 1987.
على تلك الطاولة ورغم تخوف بعض المجتمعين من احتمالية إغلاق الجامعة الإسلامية بغزة في حال انطلاق المواجهة، كان القرار الحاسم من الشيخ ياسين بعد التصويت عليه بالإجماع، بالتحرك الشعبي ضد المحتل والمواجهة، وصدر أول بيان باسم الحركة، ويومها كُلِّف الشيخ ياسين بإعداده، وقد أصدر في 14 ديسمبر/ كانون الأول 1987، الذي عدّ يوم انطلاقة الحركة.
رائدة الانتفاضة
يعلق البردويل: عندما انكشف أمر الشيخ ياسين وذاق مرارة السجن، صار يتحدى الاحتلال بالمقاومة بشكل صريح، وأصبحت حركة حماس رائدة الانتفاضة التي سرعان ما تحولت إلى انتفاضة مسلحة وتصدت لمشاريع التسوية والتصفية للقضية الفلسطينية.
ومع تصاعد الانتفاضة اعتقل الاحتلال الشيخ ياسين في 18 مايو/ أيار 1989 مع مئات من قادة وعناصر حركة حماس، وفي 16 أكتوبر/ تشرين الأول 1991 أصدر الاحتلال حكمًا بسجنه مدى الحياة، وجاء في التهم أن اعتقاله بسبب التحريض على أسر وقتل جنود الاحتلال، وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري والأمني.
ورغم أن الاحتلال حاول عزل الشيخ ياسين عن العالم، إلا أن البردويل يقول إنه كان حاضرًا بروحه وعقليته، فكانت فكرة المقاومة مستمرة، ولم يعترف الشيخ بالمفاوضات ونهج التسوية بشأن أرض فلسطين وأي حق من حقوق الشعب الفلسطيني.
ولفت البردويل إلى وقوف الشيخ ياسين خلف كل القرارات الخطيرة فيما يتعلق بالعمليات العسكرية الكبرى، إذ كانت مقاومته بالمواقف، وحرصه الدائم على الوحدة دون الدخول في صدام مع أي طرف فلسطيني.
وبعد استشهاده في جريمة اغتيال نفذتها طائرات الاحتلال في 22 مارس/ آذار 2004، كما يذكر البردويل، سار تلاميذ الشيخ ياسين على نهجه، وتطورت الحركة بالطريقة التي فكر بها الشهيد المؤسس، وصار الجميع يدرك حجم التطور الكمي والنوعي للحركة التي باتت تمتلك جيشًا كبيرًا وتخوض المعارك القاسمة مع الاحتلال.
من يقاوم لا يؤمن بالتسوية
من يقاوم لا يؤمن بمشاريع التسوية، هذا مبدأ الشيخ ياسين ومن سار بعده، كما يقول الكاتب الفلسطيني مصطفى الصواف، مشيرًا إلى مشاريع كانت تطرح في عهد الشيخ هدفت لتصفية القضية وترسيخ الاحتلال، لكنه رفضها وواجهها بالمقاومة التي تواصل نهجه.
وتوقف الصواف في حديث لـ"فلسطين" عند اتفاق "أوسلو" الذي كان من أوائل الموضوعات التي عاصرها الشيخ ياسين ورفضه جملة وتفصيلا، كونه يعترف بالاحتلال ويقزم مساحة فلسطين التاريخية في أقل من 22% من كامل الأرض، ويشترط أن يكون الأمن والحدود مرتبطة بالاحتلال.
ولفت إلى أن القضية الفلسطينية لا تزال تعاني آثار "أوسلو" إذ صار أساسا لمشاريع التسوية التي ترتكز على نقطة أساسية وهي تقاسم الأرض مع الاحتلال، وهو ما رفضه الشيخ ياسين.
وقال الصواف إن القضية متعلقة بالثوابت التي دافع عنها الشيخ الياسين، مضيفا أن هذا التمسك أفشل المشاريع التي تريد للاحتلال البقاء.