يبدو أن المغارات بات آخر ملاذ لسكان حلب شمالي سوريا المحاصرين في قطاع من مدينتهم؛ بعدما ضاقت عليهم الأرض؛ جراء غارات مكثفة لطيران النظام السوري وروسيا تودي يومياً بحياة العشرات من المدنيين في مناطق حلب الشرقية الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة، على عكس المناطق الغربية من المدينة.
ومع اشتداد وتيرة القصف على حلب في الآونة الأخيرة، وتقدم قوات نظام بشار الأسد والميليشيات الموالية له في عدد من أحياء المدينة، تحت غطاء جوي روسي كثيف، بدأت مئات العائلات في النزوح إلى المغارات للاحتماء من قصف دموي يعاني منه قرابة 275 ألف شخص محاصرين.
في هذه المغارات، الموجودة في مناطق متفرقة من حلب بين هضاب موحشة، تعيش عائلات بأكملها مع أطفالهم ومرضاهم، بل ومعاقيهم بالنسبة لبعض العائلات، في ظروف "مأساوية للغاية"؛ حيث لا مياه ولا كهرباء ولا تدفئة تحميهم من برد الشتاء، إلى جانب النفايات التي تحيط بالمغارات من كل جانب، فضلاً عن انتشار الحشرات والقوارض.
عائلة عبد الحي الحلبي هي واحدة من تلك العائلات التي لجأت إلى المغارات؛ بعد قصف منزلهم في حي "الفردوس"، ونجاتهم من الموت، حيث لجأوا إلى إحدى المغارات القريبة، لعلها تقيهم من القنابل والصواريخ التي تنهمر بشكل مستمر على حلب.
قبل أسبوعين، ومع اشتداد القصف، وصل "عبد الحي" وعائلته إلى المنطقة التي تدعى "المغاير"، وجلبوا معهم، وفق قوله، معظم أشيائهم لعلمهم أن إقامتهم ستطول، فلا يلوح في الأفق أي مؤشر على توقف قريب للقصف.
وللمغارات مخاطر لا حصر لها، فهي مثلاً توجد في مناطق مفتوحة؛ ما يجعل البرد فيها قارساً، فضلاً عن كونها محاطة بالنفايات؛ ما يشكل خطراً على صحة الأطفال، لكنها تبقى بالنسبة للعديد من سكان حلب "أهون الشرين".
"نعيش على ضوء الشمس، فما إن يحل الظلام، فلا نور ولا نار".. هكذا لخص الحلبي الحياة في مغاراته، مضيفاً أنه "لا توجد مياه ولا كهرباء ولا وسائل تدفئة في المغارات التي أعيش فيها مع أقربائي وعشرات العائلات الأخرى".
الحلبي، الذي يستعين بعكازين ليتمكن من الحركة بعد إصابته خلال القصف على سوق الفردوس، مضى قائلاً: "طعام عائلتي هو القليل من الأرز والبرغل.. هذا كل ما نحصل عليه.. لكن سنبقى في مدينتنا حلب ولن نخرج منها مهما كانت الظروف".
وتوفر المغارات نوعاً من الأمان لبعض سكان حلب، خاصة لمن يرفضون خيار النزوح من المدينة.
ومنذ أسبوعين تتعرض حلب لقصف مكثف للغاية، أودى بحياة قرابة 700 مدني وجرح آلاف آخرين، ضمن مساع نظام الأسد المدعوم من قبل روسيا، والمليشيات الموالية له للسيطرة على مناطق المعارضة في شرق المدينة بعد 4 سنوات من فقدان السيطرة عليها.
وانقسمت حلب عام 2012 إلى أحياء شرقية تحت سيطرة المعارضة وأخرى غربية تحت سيطرة قوات النظام، وتشهد من ذلك التاريخ معارك مستمرة بين الطرفين، يتخللها قصف وهجمات عسكرية تسببت في سقوط عدد كبير من الضحايا بين المدنيين.
ودخلت الأزمة السورية منعطفاً خطيراً، عقب بدء روسيا بمهاجمة مدن وبلدات ومواقع في سوريا، منذ نهاية سبتمبر/أيلول 2015.
وتقول موسكو، الحليف الأبرز لنظام الأسد، إن هذا التدخل يستهدف مواقع "تنظيم الدولة الإسلامية"، وهو ما تنفيه واشنطن وعواصم غربية أخرى.
فيما تقول فصائل المعارضة السورية إن أكثر من 90% من المواقع التي يضربها الطيران الروسي لا يوجد فيها "تنظيم الدولة"، مشددين على أن هذه الغارات تستهدف المدنيين وفصائل المعارضة المسلحة ومواقع للجيش السوري الحر المعارض.
حلبسورياقصفمغاراتمقتل مدنيين