من فن "صناعة الدمى" استلهمت الصديقات مريم، ويسرى، وهنية، ونايفة عراعرة، أبعادًا بيئية ووجدانية، يغزلن صوف قرية الخان الأحمر شرقي القدس المحتلة، على شكل مقتنيات تعبر عن التراث والهوية الفلسطينية في القرية الواقعة تحت خطر التهجير القسري لمصلحة استيطانية تهويدية.
تعمل السيدات الأربع على تحويل صوف الأغنام وشعر الماعز ووبر الإبل الذي يوفرنه من قلب الحياة البدوية التي تعتاش عليها القرية إلى مشغولات يدوية تعبر عن هويتها وتسوقها للعالم.
تقول مريم خليل عراعرة (50 عامًا)، إنها تعمل على جمع "أكوام" كبيرة من الصوف من ما ينتجه رعاة الأغنام والماشية في القرية.
بعد ذلك تعمل الصديقات على تنظيف الصوف باستخدام الماء والصابون، وتحويله بمهارة يدوية إلى أشكال مختلفة من دمى، وألعاب، ولوحات فنية.
وتعتمد قرية الخان الأحمر وهي تجمع بدوي في معيشتها على الثروة الحيوانية، التي يقتصر دعم السلطة للقرية عليها بتوزيع أعلاف الماشية، في حين تتقلص مساحات الرعي بسبب تمدد المستوطنات، ما يهدد "عمود البقاء" في القرية التي بات يستصعب سكانها توفير الطعام أو شراءه.
تضيف عراعرة، أن السيدات بدأن العمل على الفكرة منذ عام 2018، برفقة مجموعة مكونة من سبع نساء من الخان الأحمر، مشيرة إلى مشاركتهن سنويًّا في معرض نظمته الجمعية الفلسطينية لصاحبات الأعمال "أصالة"، بمشاركة حرفيات فلسطينيات من مختلف المناطق الفلسطينية.
يمر العمل بعدة مراحل، تمضي فيها الصديقات ساعات على طاولة مستديرة يتبادلن الحديث، ويغزلن الصوف، مستخدمات هياكل سلكية، قبل أن تُحوَّل إلى مقتنيات وألعاب تراثية قيمة.
في مشروع "تحدي" الذي تنتمي إليه عراعرة، اقتصرت مجموعتها اقتصرت عليها وصديقاتها الثلاث، نظرًا لقلة قدرتهن على تسويقه محليًّا، إلا أنهن يعملن على حضور المعارض المتاحة في فلسطين لتسويقه في العالم ونقل هويتهن، وكسب الرزق، بعد حصولهن على قبول المنتج في عيون الزبائن الأجانب.
وتتطلع عراعرة إلى التوسع والاستمرارية في مشروع غزل وإنتاج الدمى، والعمل ضمن فنون أخرى متعلقة بالتطريز، لمحاربة البطالة، والتعبير عن قضية الخان الأحمر، وتسويقها للعالم، رغم قلة المدخول كما تقول.
وتلفت الصديقات إلى أنهن يصنعن الدمى بأشكال جديدة عن عالم صناعة الدمى، مستوحاة من حياة البادية، دون نسخ للدمى الأجنبية.
إعادة تدوير المقتنيات
وتشير مسؤولة برنامج الوصول إلى الأسواق في جمعية أصالة آية عواد، إلى أن مشروع "تحدي" من أكثر المشاريع النسوية المميزة في الجمعية، والمشاريع الأصيلة التي تعتمد على إعادة تدوير مقتنيات الحياة البدوية، حيث استخدام الصوف على شكل دمى وألعاب تُنتَج في مناطق نائية ومهددة من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
وتؤكد أهمية توفير كل الخدمات اللازمة لهذا المشروع ليتمكن من الاستمرارية والتطور، بسبب الظروف الصعبة التي تمر بها النساء القائمات عليه بسبب وجودهن في منطقة كالخان الأحمر، لتحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء الرياديات الفلسطينيات من خلال دعمهن في مشاريعهن والوقوف إلى جانبهن، ومن أجل مساندتهن ومساعدتهن على المضي قدمًا في مشاريعهن.
الخان الأحمر تاريخيًّا
وكلمة خان، تركية الأصل أُطلقت على هذه المنطقة منذ حقبة الحكم العثماني لفلسطين، أما كلمة الأحمر فتنسب إلى التربة الحمراء التي كانت تمتاز بها قديمًا.
وفي الخان الأحمر وُجدت آثار دير فيه كنيسة، بناه القديس "أوثيميوس" سنة 428 للميلاد ليكون مركزًا للرهبان الذين يتعبدون في المغاور القريبة. أو بُني تكريمًا له، كما تذكر المراجع التاريخية.
وفي عام 614 للميلاد احتل الفرس فلسطين وهدموا الكنيسة، ولما جاء الفاتحون المسلمون سمحوا بترميم الكنيسة التي بقيت عامرة في العهد الصليبي، ثم خُربت بعد ذلك، وبُني على آثارها خان يخدم التجار المارين بين القدس وأريحا.
كان هذا الخان مُسورًّا ومكونًا من طابقين، وفيه بركة مياه، وسمي باسم الخان الأحمر لأنه مبني من حجارة حمراء اللون. وهو مملوكي الطراز، يبدو أنه بني في بداية القرن الثامن الهجري ببداية الرابع عشر للميلاد.
بجوار الخان أقيمت قلعة صغيرة سميت بقلعة الخان، أو قلعة الدم لأن حجارتها كانت حمراء كالدم. في بداية العهد العثماني قلّت أهمية الخان الأحمر، إذ أقيم خان آخر بالقرب منه.
إلى الشرق من الخان الأحمر، على بعد 5 كم منه، على قارعة الطريق، أقيم خان آخر اسمه خان الحثرورة. في سنة 1863 زار الرحالة الفرنسي فيكتور جيرين هذا الخان، وقال عنه إنه حديث العهد مبني على أسس قديمة، بناه إبراهيم باشا.
ويبدو أن ابراهيم باشا استعمل في بنائه حجارة من الخان الأحمر، وهذا يفسر لنا الادعاء بأن ابراهيم باشا هدم الخان الأحمر أثناء حربه ضد القبائل العربية الفلسطينية. والحثرورة كلمة عربية تعني أتربة متعددة الألوان مثل اللون الأحمر، واللون الأخضر واللون الأسود.
وفي عام 1884 عُثر بين أطلال خان الحثرورة على حجر ميل من عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، الذي حكم بين السنوات 66-86 هجرية/ 685-705 ميلادية.
وعلى الحجر نُقشت الكلمات التالية: "... أمر بعمارة هذا الطريق بصنعة الأميال عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين رحمة الله عليه من دمشق إلى هذا الميل تسعة ومائه ميل".
والحجر موجود الآن في متحف السلطان أحمد بإسطنبول. وحجر الميل المذكور يدل على اهتمام الدولة العربية في شق الطرق وتمهيدها لتكون صالحة للسفر بين القدس وأريحا.
وجود الخان والقلعة أدى إلى نشوء تجمع سكاني عربي في الخان الأحمر، ناهيك عن أن البدو جاسوا خلال الديار. وفي سنة 1931 كان يعيش في الخان الأحمر 37 شخصًا، وحولهم بدو كثيرون. أما الأراضي فكانت تابعة لأهالي أبو ديس وسلوان.
أما اليوم فيسكن الخان الأحمر قرابة 400 أسرة بدوية، تنحدر جميعها من عشيرة "الجهّالين"، وصلوا إلى الخان الأحمر واستقروا فيه ولجؤوا إليها في إثر ترحيلهم قسرًا في عام 1948 عن أراضيهم في النقب المحتل جنوب فلسطين التاريخية بالقرب من مصر.