لجأت نساءً نازحات إلى إعادة تدوير الملابس القديمة لتناسب أجساد الأطفال القاطنين في أماكن النُّزوح في قطاع غزَّة في ظلِّ برودة الطَّقس.
وقد دفعت الظُّروف الَّتي تتخبَّط فيها تلك النِّساء إلى هذه الخطوة، مثل ارتفاع أسعار الملابس في الأسواق المحلِّيَّة وندرة الملابس المقدَّمة من قبل المؤسَّسات الدَّوليَّة والخيريَّة المحلِّيَّة.
قد أنشأ النَّازحون مخيَّمات مؤقَّتةً في مناطق مختلفة بالقطاع الَّذي يعاني من ازدحام نتيجة الحرب، إلَّا أنَّ تلك المخيَّمات تفتقر إلى أدنى مقوِّمات الحياة.
النَّازحة أمَّ عبير سلامة تقوم بجمع الملابس القديمة والأقمشة المهترئة من جيرانها في مخيَّمات النُّزوح في دير البلح وسط قطاع غزَّة مقابل أسعار رمزيَّة، وبعد ذلك، تقوم بتفكيك قطع الملابس وتبادل الأفكار مع ابنتها عبير لتصميم الملابس حسب المقاسات والألوان المتاحة ونوعيَّة الأقمشة.
عبير التي تبلغ (24 عامًا) سبق لها تنفيذ هذه الفكرة خلال دراستها في دبلوم خياطة وتفصيل في مركز تشرف عليه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في مخيم الشاطى غرب مدينة غزة.
أدركت الشابة أن ما تعلمته سابقًا أصبح طوق نجاة لعدد كبير من أطفال عائلتها وجيرانها الذين أبدوا إعجابهم بالتصاميم.
تقول عبيرلـ "فلسطين أون لاين"، "إعادة تدوير الملابس عملٌ شاق وممتع في آنٍ واحد أشعر بالرضا عن ممارستي للتخصص الذي تعلمته، وهذا يمنحني شعورًا جميلًا لكن الصعوبة الحقيقية تكمن في ضيق المساحات المتاحة من قطع القماش، بمقارنةٍ مع حالة التصميم على مساحة واسعة من القماش، بألوان وخامات جديدة".
تشارك الأم الحديث قائلة إنها تساعد ابنتها في تفكيك قطع الملابس وغسلها، وتتجه أيضًا إلى محال بيع الملابس المستعملة "البالة" لتشتري ما تراه مناسبًا.
أشارت الأم إلى أنهن يبيعن إنتاجهن بأسعار مناسبة للأسر النازحة والمحتاجة، كما تقوم أسرة عبير بتصميم البنطلونات والجاكيتات والبلايز والقبعات، كما أدخلت أطقم الصلاة.
وعلى الرغم من أن المشكلة الرئيسية التي واجهت الأم وابنتها هي عدم امتلاكهما آلة خياطة بعد نزوحهما عن منزلهم منذ أكثر من عام تحت القصف الإسرائيلي الشديد.
للتغلب على ذلك، كانت تأخذ الاثنتان التصاميم إلى خياطين داخل السوق المركزي في دير البلح وسط القطاع، وتطلب منهم الحياكة مقابل أجر مختلف حسب حجم القطع ونوعية الخامات.
لم يمض وقت طويل على هذا النهج حتى هيأ الله لتلك الأسرة مساعدة مالية من إحدى المؤسسات الدولية. وعلى الفور توجهت لشراء آلة خياطة مستعملة .
وللتغلب على أزمة الكهرباء تقول عبير إنها زودت آلة الخياطة ببطارية تشحن عبر الخلايا الشمسية، وحال تعذر الشحن بسبب الغيوم تتجه للاستخدام اليدوي.
ووسعت الأسرة نشاطها بانضمام نساء أخريات يعملن في مهنة الخياطة حيث أنهن يعرضن منتجاتهن في الأسواق وعبر المنصات الإجتماعية .
من جانبها، تقول الشابة زينب الخالدي:" إن كل سيدة تساهم بمهارتها في هذا العمل المشترك وبفضل تعاوننا واصرارهنا استطعنا تزويد الأطفال بملابس تدفئتهم خلال فصل الشتاء البارد".
وتشير الخالدي إلى، إن الابتسامات تعلو وجوه الأطفال وأمهاتهم، وتملأ الفرح قلوب النساء العظيمات اللاتي قدمن كل ما بوسعهن لمساعدة الآخرين.
وكان قطاع الخياطة والنسيج من أكثر القطاعات الاقتصادية استيعابا للأيدي العاملة في قطاع غزة قبل الانتفاضة الثانية، ولكن منذ ذلك التاريخ أخذ في التراجع لا سيما في ظل الحروب المتوالية على القطاع وفرض الحصار.
حيث استهدفت الترسانة الحربية الإسرائيلية المصانع ودفعت أزمة الكهرباء الكثير العزوف عنه والاتجاه لمهن أخرى.
وحسب اتحاد مصانع الخياطة فأن المصانع المحلية المسجلة لدى الاتحاد قبل الحرب تبلغ 291 مصنعًا وهي تشغل أكثر من 8 آلاف عامل.
تلك المصانع كانت تستطيع تغطية السوق المحلي بمختلف القطاعات بجودة عالية باستثناء بعض المنتجات التي تحتاج لتقنيات عالية غير متوفرة في القطاع.