فلسطين أون لاين

أشعلوا النار للغداء فانهار البيت.. مأساة عائلة نصار في غزة

...
والد الشهيدين محمد نصار
غزة/ جمال غيث:

داخل مساحة ضيقة أسفل منزلٍ مدمّر، كان أطفال عائلة نصار يشعلون النار مستخدمين وسائل بدائية، استعدادًا لطهي وجبة الغداء، في محاولة لصناعة لحظة حياة وسط واقع يطغى عليه الدمار.

لم يكن في المكان غاز أو كهرباء، وكانت النيران الصغيرة المتقدة الوسيلة الوحيدة لإعداد الطعام، في حين كانت الأم على مقربة منهم، أما والدهم محمد نصار فقد خرج لإحضار بعض الاحتياجات الأساسية لأطفاله.

في تلك اللحظات، تزامن إشعال النار مع منخفض جوي قوي ضرب مدينة غزة، مصحوبًا بأمطار غزيرة ورياح شديدة، لتتحول لحظة الانتظار إلى فاجعة.

فقد انهار فجأة ما تبقّى من منزل العائلة، الذي كان قد دُمّر سابقًا جراء قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال حربه على قطاع غزة، ليسقط الركام فوق رؤوس الأطفال، ويودي بحياة لينا (18 عامًا)، الشقيقة الكبرى، وشقيقها غازي (15 عامًا)، قبل أن يتمكّنا من تناول وجبة الغداء.

ولم يكن المنزل الذي انهار على ساكنيه مبنى آمنًا، بل بيتًا تعرّض لقصفٍ متعمّد من الاحتلال الإسرائيلي عام 2023، ما أدى إلى تدمير طوابقه العلوية وإلحاق أضرار جسيمة بأعمدته وبنيته الإنشائية.

حينها اضطر نصار إلى النزوح مع أسرته نحو جنوب قطاع غزة، هربًا من القصف المتواصل الذي طال الأحياء السكنية في شمال المدينة.

وبعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي بوساطة دولية، في 19 يناير/كانون الثاني 2024، عاد نصار إلى مدينة غزة ليجد منزله شبه مدمّر وغير صالح للسكن.

غياب البدائل

إلا أن غياب البدائل، وانعدام أماكن الإيواء الآمنة، وعدم توفر خيام صالحة للسكن، أجبره على الإقامة في الحواصل أسفل المنزل المكوّن من خمسة طوابق، بعد إزالة جزء من الركام وإعادة ترتيب المكان بجهود ذاتية.

لم تدم هذه العودة طويلًا؛ ففي سبتمبر/أيلول 2025، اضطر نصار إلى النزوح مجددًا نحو جنوب القطاع، بعد اقتراب قوات الاحتلال الإسرائيلي من المنطقة.

وبعد تراجع القوات، عاد في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2025، ليفاجأ بأن المنزل تعرّض لتدمير إضافي، إذ استُهدفت بعض أعمدته، ما جعله أكثر هشاشة ومعرّضًا للانهيار في أي وقت، لا سيما في ظل الظروف الجوية القاسية.

ورغم إدراكه لخطورة البقاء في المكان، لم يجد نصار خيارًا آخر، فاضطر للعيش مع أطفاله السبعة أسفل المنزل المدمّر، في ظروف تفتقر إلى أبسط مقومات السلامة، في مشهد يجسّد الكارثة الإنسانية التي خلّفتها حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.

ويقول نصار، بصوت يملؤه الحزن، لصحيفة "فلسطين" إن أبناءه كانوا ينتظرون وجبة الغداء، التي لم تكن سوى طبق بسيط من الأرز والدجاج، إلا أن الموت كان أسرع من الطعام: "خرجت لأشتري بعض الاحتياجات، وحين عدت وجدت بيتي قد انهار وأطفالي تحت الركام".

أدوات بدائية

عقب الانهيار، هرع سكان الحي مستخدمين أدوات بدائية لمحاولة إنقاذ الأطفال، قبل وصول طواقم الدفاع المدني والإسعاف، التي تمكنت من انتشال جثماني الشهيدين من تحت الأنقاض، وسط حالة من الصدمة والحزن العميق عمّت المكان.

وبالقرب من موقع الحادث، وقف أحد أقارب العائلة، محمد نصار، مؤكدًا أن الاحتلال الإسرائيلي يتحمّل المسؤولية الكاملة عن هذه الفاجعة، مشيرًا إلى أن تدمير المنازل والأحياء السكنية خلال حرب الإبادة الجماعية ترك آلاف العائلات تعيش داخل بيوت مهددة بالانهيار.

وأضاف لـ"فلسطين" أن زوجة ابن عمه كانت على بُعد أمتار قليلة من موقع الانهيار، ولولا الأقدار لكانت هي الأخرى وأطفالها من بين الضحايا، مؤكدًا أن ما حدث لم يكن حادثًا عارضًا، بل نتيجة مباشرة لسياسات الاحتلال التي تواصل حصد الأرواح حتى بعد توقف الحرب.