شكل انعقاد الحكومة الإسرائيلية لاجتماعها الأسبوعي في الجولان السوري المحتل تجسيدًا للتطلعات الإسرائيلية لإبقاء الاحتلال قائمًا في الهضبة، وسط الحصول على اعتراف أمريكي بسيادتها عليها، ولذلك أتى العمل الإسرائيلي في الهضبة على ثلاثة مسارات: تكثيف الاستيطان فيها، ومحاولة التأثير في الوضع القائم بسوريا، والانخراط في الساحة الدبلوماسية العالمية.
ولذلك بدأ التحضير الإسرائيلي مع بعض الأوساط الأمريكية وبعض الغربية لانتهاز التطورات الجارية في سوريا لإبقاء السيادة الإسرائيلية على الجولان، وجاء تكثيف الاستيطان فيها، لكونه المسار الأول في هذه الإستراتيجية، ويبقى العامل الأكثر قوة في فرض هذا التطلع، إذ يعيش اليوم في الهضبة قرابة 22 ألف مستوطن، مع العلم أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تعد السكن والإقامة فيها مسألة إستراتيجية حيوية خشية حصول تطورات سياسية تضطرها إلى إخلائها.
مع العلم أنه لا يوجد في الجولان اليوم مستوطنون متدينون، كما هو الحال بالضفة الغربية، وكذلك يغيب العمل الحكومي الرسمي عنها، وهناك خطة إسرائيلية باتت علنية تقضي برفع عدد المستوطنين في الجولان ليصل إلى مائة ألف خلال سنوات قليلة، بتوفير مصادر عمل لهم ووسائل مواصلات.
الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية شهدت في الأيام الأخيرة نقاشات جادة تتعلق بإعادة نظر إدارة بايدن في اعتراف سلفه ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، لكنها تتمسك بما تعده الموقف الأمريكي الأهم بشأن الجولان، ويتمثل في رسالة الرئيس جيرالد فورد عام 1975 لرئيس الوزراء إسحاق رابين، التي جاء فيها: "إن الولايات المتحدة لم تتخذ موقفًا نهائيًّا من قضية الحدود، وإذا اتخذت موقفًا، فسيعطى وزن كبير لموقف (إسرائيل) بأن أي اتفاقية سلام مع سوريا يجب أن تستند إلى بقائها في مرتفعات الجولان".
يتحدث العسكريون الإسرائيليون أنه لن تعود على "الدولة" أي فائدة أمنية من دون احتفاظها بهضبة الجولان، وهناك الكثير ممن يزعمون أن "التنازل" عنها قد يحمل في طياته مخاطرة تكتيكية غير بسيطة، لكن المخاطر الإستراتيجية الحقيقية على (إسرائيل) تأتي أصلًا من التنازلات الكبيرة التي ستقدمها في أي اتفاق سلام مع سوريا، وهي مخاطر لا تبدو مأمونة على المدى البعيد.
الفرضية الإسرائيلية لأي اتفاق سلام مع سوريا تقول باختصار إن الترتيبات الأمنية التي يجب أن يتضمنها لا بد أن تعمل على "جسر الهوة" بين مبدأ التنازل عن الجولان من جهة، ومن جهة أخرى إيجاد وضع ميداني، يمكن قوات الجيش الإسرائيلي من التعامل مع أي حرب قد تنشب بين لحظة وأخرى، ولكن كيف؟ لا أحد يعرف حتى اللحظة الإجابة الصحيحة.