بأشكال نضال ومقاومة مختلفة استطاعت حماس أن تتناغم في جوانب كثيرة مع متطلبات المرحلة، من حيث الزمن والأدوات المستخدمة في مواجهة الاحتلال، ومن حيث ارتباط الفعل باستراتيجيات بعيدة المدى، فعززت الحركة حضورها الميداني وأسندت فصائل المقاومة في التدريب والتأهيل.
ومنح المناخ السياسي والوطني العام في غزة بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006م، إمكانية تدريب وتأهيل فصائل المقاومة، وتحقيق الانسجام المشترك في العمل المقاوم انخرط فيها الشعب الفلسطيني أيضًا بالمواجهة.
بدأ ذلك في عملية الوهم المتبدد التي أسر فيها الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، ومواجهة الاحتلال في الحروب التي شنها على غزة أعوام، 2008، 2012، 2014م، والتي توجت بغرفة العمليات المشتركة التي واجهت وتصدت لأكثر من 11 تصعيدا في السنوات الخمس الأخيرة، وبتشكيل الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار عام 2018م، والتوحد في التصدي للاحتلال في معركة "سيف القدس" التي اندلعت في مايو/ أيار 2021.
التأسيس الثاني
ويعتقد الخبير في الشؤون الاستراتيجية د. محمود العجرمي، أن ذكرى انطلاقة حركة حماس الرابعة والثلاثين تمثل التأسيس الثاني لانطلاقة الحركة، وأن عمرها النضالي الوطني بدأ منذ الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، ولكنها أخذت إبان الانتفاضة الاسم الذي تحمله الحركة اليوم، أي انتقال نضال الحركة لمرحلة أخرى.
ويقول العجرمي لصحيفة "فلسطين"، إن هذا الانعطاف في المنهج الإسلامي الإيماني المسلح أسند فصائل المقاومة أولاً بنموذج جديد من النضال الوطني ومنذ البدء تعاملت حماس مع الفصائل الأخرى بنفس وطني وحدوي ميداني فكان لها دور في مسيرتها الجهادية من خلال التدريب لفصائل المقاومة الأخرى.
الإضافة النوعية للنضال والتسليح الوطني، حسبما ذكر العجرمي، كانت ركيزته عام 2006 حينما منح الشعب ثقته لحركة حماس وفازت بالانتخابات التشريعية، ليس فقط في إدارة العمل الكفاحي الميداني ضد الاحتلال وإنما في إدارة الشأن المدني العام، وأضحت القائد الرسمي الديمقراطي للشعب الفلسطيني ومن هنا قدمت غطاء رسميًا كي تصبح المقاومة مقاومة كل الشعب بطلائعها الفصائلية المقاتلة.
وأردف: "لنتذكر تمامًا أنها أجادت في الميادين وعززت إسناد الشعب لمقاومته في التصدي لبرنامج التسوية الذي اتضح أنه مؤامرة على الشعب الفلسطيني وأضحى واضحًا أنه يؤدي دورًا وظيفيًا وظهيرًا للاحتلال".
ومن هنا تؤكد حماس أنها من خلال إدارتها للشأن العام تمسك باليد الأخرى الكفاح الميداني الجهادي المسلح، وقد تجلى ذلك بعملية "الوهم المتبدد" حينما اقتحمت حماس، وشاركت معها فصائل مقاومة أخرى، الموقع الإسرائيلي الأكثر تحصينًا وقتلت وجرحت ودمرت آليات إسرائيلية، ثم أسرت الجندي شاليط ونجحت المقاومة بقيادة حماس في ضرب الاستخبارات الإسرائيلية حينما أخفت هذا الجندي خمس سنوات، ثم فرضت شروطها على الاحتلال التي انتهت بالإفراج عن نحو 1029 أسيراً وأسيرة، وفق العجرمي.
إضافة لتلك النجاحات، يؤكد الخبير أن الحركة قدمت نموذجًا في اختراق حصون الاحتلال الإلكترونية، ودربت فصائل المقاومة في هذا المجال، ولا تزال تقدم نموذجا في مجال الصواريخ الأكثر دقة، ومضادات الدروع والطيران.
بذلك تشكل الحركة، وفقًا للعجرمي، جيشًا فعليا خاصة مع إبداع غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة، وتنظيم مناورات "الركن الشديد"، والتصدي المشترك لكل التصعيدات التي شنها الاحتلال على غزة خلال السنوات الأخيرة، التي رسمت صورة كفاحية في معركة حد السيف حينما تم كشف وحدة نخبة الاحتلال عام 2018م (سييرت متكال) التي تسللت شرق خان يونس بهدف زرع منظومة تجسس وقتل قائدها وأصيب نائبه.
ولفت إلى أن ما حدث بمعركة سيف القدس في مايو/ أيار الماضي، يؤكد أن القدس هي مركز بوصلة النضال الوطني حينما حركت حماس ميادين المواجهة ضد الاحتلال واشتعلت أكثر من 200 نقطة مواجهة، في وقت اعتقد الاحتلال أنه تمكن من تطويع الشعب الفلسطيني بمساعدة بعض الأطراف الفلسطينية.
وفي 12 مايو/ أيار 2021 وخلال الاقتحامات الاستيطانية التي وقعت في مدينة اللد بالتزامن مع ما يحدث في حي الشيخ جراح في القدس والحرب الإسرائيلية على غزة 2021، شهدت العديد من المدن الفلسطينية المحتلة، مثل اللد وعكا ويافا، مواجهات دامية بين المستوطنين وأبناء الشعب الفلسطيني، وذلك من جراء اعتداءات وحشية ارتكبتها الشرطة ومستوطنون في القدس، وخاصة منطقة باب العمود والمسجد الأقصى ومحيطه، وحي الشيخ جراح، فهاجم مستوطنون إسرائيليون المسجد بإطلاق النار عليه وحاولوا إحراقه.
ويخلص العجرمي إلى أن معركة سيف القدس وتوزيع المهام بين فصائل المقاومة وانخراط الشعب الفلسطيني بأشكال مختلفة في هذه المعركة العسكرية والأمنية والشعبية، يؤكد أن هناك نضالًا مشتركًا بين فصائل المقاومة وبين المجتمع المدني فيما يصفه بـ"الجيش الشعبي"، سوف تتطور أركانه في خضم الصراع المستديم مع الاحتلال حتى التحرير.
توقيت ملائم
وجاءت مسيرات العودة وكسر الحصار بحسب الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن، في توقيت ملائم ومرحلة كانت من الضرورة بمكان على حركة بحجم حماس ألا تغفل أن هناك استهدافا استراتيجيا من الاحتلال محاولاً إنهاء ارتباط الشعب الفلسطيني بتاريخه وأرضه.
يقول محيسن لصحيفة "فلسطين"، إن مسيرات العودة انطلقت كي يستعيد الجيل الجديد تثبيت قاعدة الفهم الثقافي الوطني عبر فعاليات عملية تعزز من قيم هذا الفهم ومن مستوى حضوره، فحققت المسيرات إنجازا كبيرا وحركت الشارع الفلسطيني والعالم العربي والدولي، "وعلى الرغم من تقديم تضحيات كبيرة ما زالت جذوة المسيرات قائمة بمعنى أنه من السهولة بمكان استعادة تفعيلها لأن أدواتها متاحة وأساليبها بسيطة".
ويرى أن المسيرات تعد أحد مظاهر التجييش العام الذي تقوده حماس في الشارع الفلسطيني خاصة في غزة، لأن البيئة الأمنية والوطنية والسياسية ملائمة لذلك، ولو تم تناغم الأداء وخُلقت بيئة ملائمة في الضفة وانخرط جموع الشباب بنشاطات مختلفة وأحدثوا حالة اشتباك مع الاحتلال فإن ذلك سيعزز من حضور ثقافة المقاومة وانتشارها في الجيل، وستكون بمنزلة تهيئة الجيل ليكونوا "نواة لجيش شعبي قادم".
ورغم ما حدث بمسيرات العودة ومعركة سيف القدس، "لم تقد الأمور لتشكيل الجيش الشعبي، ففي معركة سيف القدس انخرطت مناطق أخرى مع قطاع غزة بالمواجهة لكن ذلك لم يأخذ شكلا منظما، بدوائر إسناد وتوجيه".
وفي الوقت نفسه يشير محيسن إلى وجود محاولة نسبية فترة انتفاضة الأقصى "لفكرة الجيش الشعبي" قادته حماس ونظمت الآلاف من الشباب لذلك، منبهًا إلى أن فكرة الجيش الشعبي تأتي خطا موازيا لكتائب القسام التي اشتبكت مع الاحتلال بالأدوات المتوفرة آنذاك.