ترك المزارع أحمد ظهير خلفه عشرات الدفيئات الزراعية المزروعة بالطماطم والخيار في منطقة مصبح شمال مدينة رفح جنوب قطاع غزة، بعد أن شن جيش الاحتلال الإسرائيلي هجومًا عنيفًا على المنطقة، وأجبر السكان على الإخلاء القسري إلى منطقة المواصي في مدينة خان يونس.
هذا الهجوم الوحشي لم يؤثر فقط في المزارعين الذين اضطروا إلى هجر أراضيهم ومحاصيلهم، بل ألقى بظلاله الثقيلة على سكان قطاع غزة بكامله، فقد أدى إلى نقص حاد في الخضراوات والمزروعات الأساسية التي كانت تغذي الأسواق المحلية، ولا سيما مع استمرار إغلاق الاحتلال للمعابر ومنع دخول أي منتجات زراعية من الخارج.
وتعد رفح منطقة زراعية رئيسة، إذ تعرف بأنها السلة الغذائية للقطاع، خصوصًا في إنتاج الطماطم، والبصل، والخيار.
بدأت تداعيات هذا العدوان تظهر بشكل واضح في الأسواق، إذ شهدت كميات الخضراوات المعروضة انخفاضًا كبيرًا، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، حيث تضاعف سعر الطماطم عدة مرات. ويعود هذا التراجع إلى استهداف الاحتلال المباشر للأراضي الزراعية وحرمان المزارعين من الوصول إليها، ما منعهم من حصاد محاصيلهم التي كانت في ذروة الإنتاج.
وبالتزامن مع ذلك، وسع جيش الاحتلال، منذ يوم الأربعاء الماضي، نطاق عملياته في رفح، ضمن عدوانه المستمر على جنوب قطاع غزة، حيث استقدم الفرقة القتالية 36 إلى المنطقة، وفق ما ذكرته مصادر إعلامية عبرية.
ويعمق عدوان الاحتلال على رفح الأزمة الغذائية، ويزيد من معاناة السكان الذين يعتمدون بشكل أساسي على الإنتاج المحلي في ظل الحصار المشدد.
يقول المزارع أحمد ظهير لـ "فلسطين أون لاين": "استثمرت مبالغ طائلة في زراعة الطماطم والخيار داخل الدفيئات، حيث تكبدت تكاليف مرتفعة جدًا بسبب غلاء أسعار الأشتال والمواد الزراعية مثل الخراطيم والأسمدة والمبيدات، بالإضافة إلى أجور العمال، وكنا نستعد خلال الأيام المقبلة لجني المحصول وبيعه في الأسواق، إلا أن هجوم الاحتلال دمّر كل شيء وألحق بنا خسائر فادحة".
ويضيف ظهير: "تشتهر رفح، خاصة مناطق مصبح، وميراج، وصوفا، وعربية، بإنتاج الطماطم والخيار والبطاطا والفلفل، وكانت هذه المناطق بمثابة المصدر الرئيس لهذه المنتجات الزراعية لسكان غزة والأسواق المحلية طوال فترة العدوان، أما الآن، ومع وجود الاحتلال فيها، بات الوصول إلى الحقول الزراعية مستحيلاً، ما يعني أن كميات ضخمة من المحاصيل ستظل مهددة بالتلف ولن يتمكن أحد من جنيها".
ويشير ظهير إلى أن الاحتلال يدرك تمامًا أن سيطرته على هذه المناطق الزراعية ستؤدي إلى تفاقم أزمة الغذاء والمجاعة داخل قطاع غزة، حيث يمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، ما يؤدي إلى فقدان آلاف الأطنان من الخضروات التي كان من الممكن أن تغطي احتياجات السكان وتُبقي الأسعار في متناول الجميع.
من جهته، يؤكد المزارع محمد ماضي أن لديه قرابة 40 دونمًا مزروعة بالطماطم والبصل في منطقة ميراج وشرقها، ويخشى أن يفقد محصوله بالكامل إذا استمرت عمليات الاحتلال في رفح ومنعته من الوصول إلى أرضه.
ويقول ماضي لـ"فلسطين أون لاين": "كنا على وشك حصاد الطماطم والبصل بعد أن استثمرنا مبالغ طائلة في زراعتها، وتكبدنا تكاليف مضاعفة لتوفير المياه في ظل شحها، لكن مع استمرار الاحتلال في عدوانه، وخاصة مع نواياه إقامة محور عسكري في ميراج، فإنه بذلك قد حكم بالإعدام على محاصيلنا".
ويضيف ماضي: "هذه الكميات الضخمة من الطماطم والبصل كانت كفيلة بسد حاجة الأسواق لأيام، ما كان سيساعد في الحفاظ على الأسعار عند حدود مقبولة، حيث كان يباع كيلو الطماطم بـ6 شواقل والبصل بـ10 شواقل، أما الآن، فإن غياب هذه المنتجات عن الأسواق سيؤدي إلى تضاعف الأسعار، وقد يصل سعر كيلو الطماطم إلى 40 أو 50 شيقلًا في غضون أيام قليلة".
ويتابع ماضي موضحًا أن مناطق شمال وشرق رفح لم تكن فقط المصدر الغذائي الأساسي لسكان القطاع، بل كانت أيضًا مركزًا لتصدير المنتجات الزراعية إلى الضفة الغربية والأراضي المحتلة وبعض الدول العربية قبل بدء العدوان الإسرائيلي، أما الآن، فقد تحولت هذه المناطق إلى ساحات حرب خطيرة، ومن يقترب منها يعرض نفسه للموت.
وأشار إلى أن بعض المزارعين حاولوا خلال اليومين الماضيين الوصول إلى أراضيهم الزراعية في منطقة مصبح لقطف بعض المحاصيل قبل أن تتلف، إلا أن جيش الاحتلال أطلق النار عليهم مباشرة، ما أسفر عن استشهاد عدد منهم، في رسالة واضحة من الاحتلال بأنه يسعى لقطع شريان الحياة عن القطاع، وزيادة معاناة سكانه عبر تجويعهم ومنعهم من أبسط حقوقهم، وهو الحصول على الغذاء.