شهدت الضفة المحتلة حادثة وطنية ثورية جديدة عندما أقدم شبان فلسطينيون وسط رام الله بالتصدي لمستوطنين كانا يقودان مركبتهما نحو احدى المستوطنات القريبة من المدينة الفلسطينية، وقد انهال الشباب عليها بقذف الحجارة وضرب المستوطنين وحرقها، ونتيجة تدخل قوة من أمن السلطة نجيا من موت محقق وتم تسليمهما لقوات الاحتلال عبر ما يسمى بالارتباط العسكري، وكانا قد أصيبا بجروح متوسطة وطفيفة.
علينا أن نشير إلى أن حادثة تصدي الشبان الفلسطينيين المقاومين في رام الله للمركبة كانت فعلا عفويا ولم يكن عملا مخططا مسبقا وهذا أهم من الفعل نفسه، نتحدث هنا عن الدافعية والتغذية العقلية للصورة الظاهرة كيف تعامل معها الشباب الفلسطيني الثائر، ويعد هذا في دهاليز السياسة فعلا ممنهجا ثقافيا ومنطلق من فكرة أن المستوطن محتل للأرض وغريب و قاتل و حارق للشجر وهو بذلك يستحق المقاومة و الطرد بفعل جرائمه المتتالية على شعبنا.
الحديث عن الفطرة الوطنية السليمة للشباب الفلسطيني في كل أماكن وجوده و تفاعله مع أحداثه الوطنية تشكل إثباتا مهما أن مشروع الجنرال الأمريكي كيث دايتون وهو إنتاج الفلسطيني الجديد يتهاوى سريعا مع كل فعل ثوري مقاوم في الضفة المحتلة ضد أهداف عسكرية للاحتلال الصهيوني سواء كان ذلك خاصا بالمركبات العسكرية التي تشن حملات دهم ليلية في مختلف مدن وقرى الضفة الغربية و يواجهها الشبان الغاضبون بالحجارة والمفرقعات النارية، أو المستوطنين الذين يشكلون عناصر داخل منظمات يمينية متطرفة ويسعون في المناطق الخاضعة للسلطة حرقا لشجر الزيتون أو تخريبا للأراضي الزراعية، أو حرقا كما حدث مع عائلة دوابشة في نابلس و الطفل الشهيد محمد أبو خضير من القدس المحتلة.
الفعل الفلسطيني مرتبط بموروث ثورته الوطنية التي بدأت عام ١٨٨٢ عندما دافع الفلاحون الفلسطينيون عن أرضهم في قرية ملبس بعد مصادرتها وسرقتها من التجمع الاستيطاني التابع للأشكنازيم في القدس و أقيمت عليها أول مستوطنة احلالية سميت (بيتح تكفا)، ولم يتوقف ذلك النضال الثوري حتى يومنا هذا ومر بتجارب عديدة كانت جميعها تتفق على أن هذا الاحتلال الاستيطاني الصهيوني على أرض فلسطين غير شرعي جملة وتفصيلا، حتى الذين تعاطفوا زمانيا مع بعض المشاريع السياسية التي كانت تصدرها حكومات الاحتلال البريطاني وبعدها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والمشاريع التي طرحها رؤساء حكومات الاحتلال الصهيوني، وقد وثق الباحثون الفلسطينيون في رسائل علمية بجامعاتنا الفلسطينية في غزة والضفة والقدس المحتلة تلك المشاريع، وبعضها عرض ضمن أبحاث محكمة، ضمن الاهتمام بالتاريخ الفلسطيني المعاصر، لم يقبل أولئك المتعاطفون بفكرة حل الدولتين أو عيش شعبين على أرض واحدة، وهنا من المهم ذكره نقل ما تحدث عنه المؤرخ الفلسطيني إلياس شوفاني وهو القيادي في حركة فتح و عضو سابق للجنتها المركزية ذكر في كتابه (إسرائيل في خمسين عاما) "إن الكتلة البشرية اليهودية في إسرائيل هي تجمع استيطاني تشكل بفعل تراكمي لأناس تركوا بلادهم الأصلية و هاجروا إلى فلسطين و أقاموا دولة، فهي دولة المستوطنين الصهاينة".
تقدير صورة العمل البطولي والشجاع يضع رؤية وطنية تلتقي عليها كل فصائل العمل الوطني الفلسطيني المتمسكين بخيار المقاومة بكل أشكالها بدءا بالكلمة وانتهاء بالصاروخ و المحددات أو الرسائل يمكن الإشارة إليها في التالي:
- الفلسطيني في كل أماكن حضوره هو مقاوم ومدافع عن أرضه ووطنه، ويرفض المستوطن المحتل وكل مكوناته.
- إن خيار المقاومة المسلحة يعد شعلة ووقودا لاستمرار الفطرة الوطنية الرافضة لوجود الاحتلال على أرض فلسطين وهي التوقيع الذي بيننا وبين المحتل.
- جميع مشاريع تدجين الفلسطيني في الضفة والقدس وغيرهما ونزع الروح الوطنية منه فاشلة بامتياز و أن الحقوق لا تسقط بالتقادم، ولا يمكن لأي مشروع سياسي أن ينجح في دفع الفلسطيني بالتنازل عن أرضه حتى لو وقع البعض.
- رسالة شباب رام الله من حادثة التصدي لمركبة المستوطنين وإحراقها تقول لقيادة المقاومة في فلسطين نحن منكم وأنتم منا وإذا عزمتم فتوكلوا على الله وستجدوننا في ميادين المواجهة وما معركة سيف القدس عنا ببعيد.
- الحادثة ودلالاتها وتداعياتها تفرض على الكل الفلسطيني الاجتماع على رؤية وطنية فلسطينية خالصة هدفها الأكبر تحرير فلسطين وطرد المستوطنين كما طردوا من رام الله.
وخلاصة الامر: لن ينجح رواد المشاريع السياسية الداعمة لفكرة التعايش الفلسطينيين- الإسرائيلي، ولن تستطيع تغييب الوعي الثوري والوطني للشباب الفلسطيني المقاوم و الثائر في التصدي للاحتلال وقواته ووقف عربدة مستوطنيه، و إن الضفة الغربية قد حان وقت ثوران بركانها كما تنبأ لذلك الشهيد القسامي القائد مازن فقهاء الذي انتزع حريته في صفقة وفاء الأحرار عام 2011م.