جيش الأقصى فكرة وردت على لسان رئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل في تصريحات إعلامية مؤخرًا، إذ دعا الرجل إلى تأسيس جيش من الأمتين العربية والإسلامية يكون نواة جيش يعمل على تحرير فلسطين، هذه الفكرة موجودة في جذور أدبيات وفكر حماس باعتبار أن تحرير فلسطين يجب أن تتشارك فيه الأمة كلها وأن الاحتلال الصهيوني هو العدو الأكثر خطورة على دول المنطقة ومواردها وشعوبها، وهي فكرة جديرة بالاهتمام والدراسة والنظر، خصوصًا بعد أهم تطور أحدثته المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال عبر معركة الدفاع عن القدس والأقصى في "سيف القدس"، تركت من خلاله صدمة في الوعي الصهيوني على مستوى الأفراد والمسؤولين في المؤسسة السياسية والعسكرية والأمنية، عندما أطلقت أكبر رشقة صاروخية استهدفت عاصمة (إسرائيل) الاقتصادية مدينة تل أبيب بـ130 صاروخًا من الوزن الثقيل والتأثير القوي، دفعت تلك المعركة للاهتمام بالحديث عن دور الأمة وشبابها وعلمائها في معركة تحرير فلسطين، جنبًا إلى جنب مع المقاومة الفلسطينية، ولنا أن نتساءل ماذا لو كانت الجيوش العربية وكتائب الإخوان المسلمين الذين قاتلوا ضد العصابات الصهيونية عام 1948م، تقاتل معها المقاومة الفلسطينية اليوم بعتادها ومجموعاتها؟ كيف ستكون نتائج المعركة؟ إن استمرار بقاء هذا الكيان الصهيوني يفاقم من أزمات المنطقة العربية والإسلامية، ويسمح بسرقة ثروات شعوبنا من الطاقة وكنوز الأرض، والمياه، والوقود، وغيرها، كما يجعل دول المنطقة عرضة لعمليات التجسس والاختراق من جهاز الموساد الصهيوني وتصبح كل أجهزة الدول وأمنها ومصاير أبنائها في يد الاحتلال، يستخدمها في ابتزازها وتجنيدها لخدمة المشروع الإمبريالي الصهيوني، كما أن بقاء (إسرائيل) داخل البيت العربي يمنع من امتلاك إرادتها الحرة في اختيار نظامها الحاكم ومؤسساتها الديمقراطية، وإطلاق مشاريع الإنتاج والاستقلال الاقتصادي ويبقيها رهينة الاقتصاد العالمي، ولنا أن ننظر إلى السودان التي تمثل سلة الغذاء العربي فهي لا تملك أمر مصير اقتصادها وتعيش فقرًا مدقعًا مهددًا لوجودها، ودول الخليج التي ترتبط بصورة كبيرة في شراكة مع الاقتصاد الأمريكي فيهدد استقلالها في استخدام مواردها من الطاقة والوقود باستقلالية وطنية كاملة، ومن هنا ننظر لفكرة جيش الأقصى كفرصة حقيقية يجب أن تلتقطها أمتنا العربية والإسلامية، ولحظة تاريخية مهمة أن تشكل بداية لنظام عربي إسلامي مستقل وقطبًا نديًا لأمريكا تكون دول في قارتي آسيا وإفريقيا جزءًا وازنًا فيه إلى جانب كبرى دول العالم مثل روسيا والصين واستعادة الهند إلى علاقات منطقتنا بعد أن جرها الاحتلال الإسرائيلي إلى الفلك المعادي لمشاريع شعوبنا، علينا أن ننظر بعين المستقبل من أجل أجيالنا القادمة ليبقى لها مكان في القيادة الدولية، وهذا لن يكون إلا برحيل هذا الاحتلال الإسرائيلي، ولن يتحقق إلا بتكاتف شعوب المنطقة مع المقاومة الفلسطينية وأن تضرب بيد واحدة وندخل عليهم الباب وعندها نكون نحن الغالبين.
وبالنظر -تقييمًا تاريخيًا- إلى ما وقع على أرض فلسطين حيث خاضت جيوش خمس دول عربية ومعها كتائب مقاتلة من الإخوان المسلمين من مصر والأردن وسوريا والعراق وفلسطين وغيرها حربا ضد العصابات الصهيونية، ورغم تحقيق انتصارات ميدانية على الأرض كان لكتائب الإخوان نصيب الأسد في تحرير مناطق من يد المنظمات العسكرية الصهيوني منها تبة 86 قرب مستوطنة كفار دروم بمدينة دير البلح، وحي المنشية بيافا، ومناطق جنوب مدينة القدس وتبة الإخوان المسلمين في بيت لحم، بقيادة ضباط من الجيش المصري منهم أحمد عبد العزيز، ومراقب الإخوان المسلمين في إربد عبد اللطيف أبو قورة الذي رابط جنوب مدينة القدس، إلا أن الحرب انتهت بهزيمة كبيرة سقطت نتيجتها فلسطين في يد الصهيونية وأعلن قيام دولة الكيان في 14/5/1948م، لدينا اليوم قاسم مشترك في الوعي الجمعي العربي والإسلامي وهو أنه رغم مرور 74 عاما على هزيمة 48 لم تغير شعوب المنطقة من عدائها تجاه الكيان الإسرائيلي، صحيح أن الأمر يختلف عند الحديث عن الأنظمة فقد دخل جزء منها في حركة تطبيع مع الاحتلال الصهيوني، وأخرى تطبع سرًّا وغيرها تكتفي بموقع المراقب، ومنها من يقف مع فلسطين وفق السياسة الأمريكية، ومن يؤيد على استحياء، ولكن إذا ما قرر قادة النظم العربية والإسلامية أن يوظفوا هامش العمل التطوعي لتحرير فلسطين دون ظهورهم بصورة مباشرة، فإن فكرة جيش متطوع من شعوبنا ستكون الأفضل مرحليا وهي نواة النظام العربي والإسلامي مستقبلا، إن العالم لا يحترم إلا القوي ويجب أن تجتمع قوى أمتنا ومواردها وإمكاناتها مع بعضها بعضًا لتصبح قوة حقيقية تحترمها القوى الدولية، إن فكرة جيش الأقصى ليست حربا مع العالم ولكنها إعادة تموضع العلاقات العربية والإسلامية في موقع متقدم أمام الدول الغربية، وأن يكون لها تأثير في السياسة الدولية العامة، وليست هامشية لا ينظر لها بقيمة أو احترام. وهي أرضية يصلح البناء عليها لتأسيس جيش عربي إسلامي من شباب الأمة، ولكن لكي نصل إلى مرحلة نراه -الجيش- واقعا حقيقيا نتساءل: ما السبل الممكنة لتحقيقه؟
- قد يرى عدد من الأنظمة العربية ودول إسلامية خطرا على مستقبلها في حال مالت إلى كفة فكرة مساهمة شعوبها في جيش الأقصى الهادف لطرد الاحتلال الإسرائيلي من فلسطين، وعندها يمكنها أن توعز لأحزابها ومؤسساتها الشعبية السياسية بالاندماج في مشروع الجيش.
- يمكن للجماعات الإسلامية والحركات السياسية في الوطن العربي والعالم الإسلامي أن تدفع بشبابها للانخراط في مشروع جيش يدافع عن الأقصى، يكون تحت تصرف قيادة المقاومة في فلسطين، هدفه التحرير.
- هيئات العلماء الشرعية والمرجعيات الدينية يمكنها أن تشكل النواة والبيئة الحاضنة لمشروع جيش تحرير فلسطين، وقد بات موضوع التحرير ونهاية كيان (إسرائيل) أقرب من أي وقت مضى مع تراجع مستوى إرادة القتال، وتفشي مظاهر الفساد، والوقوع في الخلافات السياسية الداخلية في الكيان الصهيوني.
- إن الصورة الطبيعية لتحرير فلسطين ستكون زحوفا بشرية من فلسطينيي غزة والضفة والداخل المحتل وعرب القبائل الأردنية وقبائل وأهل العراق وفلسطينيي الشتات في الأردن ولبنان وسوريا، وفلسطينيي الشتات القادمين من أوروبا والدول العربية في وقت تكون المقاومة في غزة قد انطلقت للسيطرة على مناطق تحررها من قبضة الاستيطان قريبة من غزة، والضفة ومناطق بالقدس، فضلا عن دور المقاومة في شمال فلسطين من جهة لبنان وهي ما يطلق عليه اليوم ربط جبهة المحاور، وستتعرض (إسرائيل) لقصف صاروخي متواصل لن يتوقف حتى تبسط المقاومة سيطرتها على مناطق من فلسطين تهيئ الدخول للجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية الزاحفة نحو أرض فلسطين، إن شعب فلسطين ينتظر هذا الحلم ليصبح واقعا يتحقق وينهي أطول احتلال في التاريخ المعاصر.