في العام التالي، عاد حمزة يونس إلى الأردن وقاتل المحتلين في معركة الكرامة، وحضر معارك أيلول الأسود(بين القوات الأردنية النظامية والفدائيين الفلسطينيين) برغم أنها كانت بمثابة سكين انغرست في قلبه، أن يقاتل العربي أخيه العربي!
انتقل بعدها إلى سوريا وعمل مترجماً ومقدِّماً للأخبار والبرامج الكفاحية في إذاعة فتح في درعا حتى داهمها النظام السوري وأغلقها قبل حرب تشرين أول1973 بأيام قليلة، حيث انتقل حمزة يونس للعمل العسكري في جنوب لبنان.
أخذ ينقل السلاح من جنوب لبنان بحراً وبراً إلى نقاط ميتة في المناطق الفلسطينية المحتلة ليأخذها مناضلون من الداخل لتنفيذ عمليات عسكرية، وفي إحدى العمليات البحرية التي هدفت إلى خطف جنود صهاينة لمبادلتهم بمقاتلين فلسطينيين، اكتُشفت المجموعة التي كان حمزة من ضمنها، وتمكن واحد منهم من الفرار، بينما اعتقل البقية..
تنقل حمزة أثناء ذلك في مراكز تحقيق شديدة القسوة وفي زنازين عدة: مركز تحقيق صرفند، سجن الجلمة، سجن عكا سجن أبو كبير، سجن عسقلان، وفي النهاية وبعد إصدار حُكم مؤبد بحقه نُقل حمزة إلى سجن الرملة تحت حراسة مشددة، ولكنه تحدى إدارة السجن قائلاً: لن أمكث هنا أكثر من سنتين، احكموا ما شئتم فسأهرب من هنا.. وسترون بأعينكم!
بتفاصيل دقيقة وضَّحها حمزة في كتابه" الهروب من سجن الرملة" روى كيف خطط مع رفاقه ونفَّذ عملية الهروب حتى وصل إلى لبنان، ووقف في بيروت أمام كاميرات وميكروفونات الصحفيين يُعلن نبأ هروبه بكل جرأة وقوة. فما كان من المخابرات لدولة الاحتلال إلا أن بثَّ إشاعة مفادها إن" هروب حمزة يونس مُدبرٌ من قِبَلها"؛ وذلك لامتصاص الصدمة في المجتمع" الاسرائيلي" والتغطية على فشلهم في اعتراض الهروب أو الكشف عنه!
تزوج حمزة بعد ذلك وأنجب وما زال عسكرياً يناضل من أجل فلسطين. وفي اجتاح لبنان في حزيران 1982، تابع عمله العسكري أيضاً حتى اتُخذ قرار ترحيل منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان إلى تونس التي رفضت استقباله على أراضيها، فآثر الانتقال إلى السعودية حيث أقام مع أسرته في مدينة جدة لمدة تسع سنوات، والتحق باللجنة الشعبية لمساعدة أسرى فلسطين في إطار مكتب منظمة التحرير.
اعتقل عام 1991 لدى الأجهزة الأمنية السعودية بعد تعرُّض حافلة للأمريكيين إلى هجوم في جدة وإصابة ثلاثة من ركابها، قضى أسبوعاً في سجن جدة، ثم عُزل تسعة أشهر في زنزانة منفردة في سجن حاير جنوب الرياض ومُنع من الزيارة. تنقل بين سجني جدة والرياض طوال سنتين وأربعة أشهر قبل إطلاق سراحه، دون أن يُعثر على سبب لاعتقاله أو توجه له تهمة محددة. ولكن تبين بعد ذلك أن الاعتقال جاء احترازياً بناء على نصيحة من موظف فلسطيني يعمل في مكتب المنظمة!
أُلغيت إقامته في السعودية، واضطر للرحيل ولكن رفضت السودان وتونس استقباله، فاضطر إلى الرجوع إلى سوريا، التي تدخلها زوجته وأبناؤه دون مشكلة، أما هو فلا يستطيع الحصول على تأشيرة فيها، فاضطر أيضاً إلى الرحيل إلى الأردن التي أخذت تطارده مخابراتها، ورحَّلته إلى تونس التي أعادته إلى الأردن مرة أخرى، استطاع بعد ذلك ترتيب أمر انتقاله إلى الجزائر، حيث عمل في وظيفة في السفارة الفلسطينية، وتمكن من لمِّ شمل أسرته بعد فترة طويلة من المعاناة والشتات!
بعد تقاعده من العمل في سفارة فلسطين في الجزائر لم يستطع البقاء بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، الأمر الذي اضطره إلى العودة بأسرته إلى سوريا، ولكن تعرض إلى الاحتجاز والمساءلة خاصة بعد انطلاق شرارة الثورة السورية، فرحل إلى مصر وحيداً قبل أن تتمكن أسرته من اللحاق به، ولم يستطع الحصول فيها على إقامة أيضاً.. فقرر الرحيل على متن قوارب الموت إلى أوروبا..
دفع مبلغ 25 ألف دولار لمهربين نقلوه برفقة عشرات آخرين على متن مركب قديم مرعب ولمدة عشرة أيام حتى وصلوا إلى جزيرة إيطالية.
تنقل بعدها في رحلة طويلة من المعاناة بين دول أوروبية، حصل بعدها على الجنسية السويدية، ولكن تبين إصابته بسرطان الرئة، فخضع لعملية جراحية خطيرة استؤصلت بموجبها رئته اليسرى وخمسة من أضلاعه، عدا عن خضوعه للعلاج الكيماوي.
حمزة يونس أمضى عمره يناضل من أجل فلسطين، لذا عاش مشتتاً بين المنافي.. حتى احتضنته السويد وأغدقت عليه بإنسانيتها، ولكن نسيته منظمة التحرير وطوت صفحته.. ولكن: هل بمقدرونا أن ننسى مثل هذا المناضل النقي؟!!