أسماء كثيرة تتردد على ألسنة الجهات الرسمية والقيادات في السلطة الفلسطينية في كل مناسبة، وتردد تلك الأسماء أيضاً في المناهج الدراسية لتدرسها الأجيال الناشئة وتحتفظ بها في ذاكرتها. أسماء سقطت أو لنكون دقيقين فنقول: أُسقطت عن قصد وتم القفز عن نضالهم وتضحيتهم من أجل هذا الوطن. أتساءل: لماذا يحدث هذا يا تُرى؟ هل يُقيَّم نضال الشخص ومستوى تضحياته للوطن وأهله بمقدار حب القيادات وتقبِّلهم له؟ أتمنى أن نعيد قراءة سير مثل هؤلاء الأشخاص لعلنا نصل إلى السبب الحقيقي الذي يقف وراء تغييبهم!
تعرفت قبل فترة على محرر فلسطيني، تنقل بين المنافي والحدود وأمضى ردحاً من الزمن بلا جواز سفر أو هوية أو حتى إقامة، قبل أن تقذفه قوارب الموت على شواطئ أوروبا وينتقل برفقة ثلاثة من أفراد أسرته من إيطاليا إلى ألمانيا ثم كوبنهاجن ليحطّ به المقام في النهاية في السويد ويحصل على حق اللجوء، ويُصبح حاملا لجنسية وهو في السبعين من العمر، بعد أن نبذته الدول العربية وأغلقت أبوابها دونه، واستقبلته سجونها ومراكز التحقيق فيها" لأنه محرض كبير" بحسب التهمة المُسجلة في سجلات التحقيق.
حمزة يونس ابن عارة الواقعة في المثلث الشمالي الفلسطيني، سُجن مرات ثلاث كان أولها في عسقلان، وفي المرات الثلاث، استطاع أن يُخطط ويهرب حتى يصل إلى محطة توفر له الأمان.. كتابه" الهروب من سجن الرملة" في صفحاته المئة وواحد وخمسين يتبعها عدد من الوثائق والقصاصات الورقية التي جُمع غالبيتها من الصحف العبرية، يختصر الكتاب تجربته الحياتية بدءاً من حياة القرية بشكل سريع، ثم تفاصيل الاعتقال في كل مرة، وتفاصيل الهروب وما تلاها من محطات.
الغريب في حكاية حمزة يونس أنه كان واحداً من مجموعة من الشبان الفلسطينيين الذين احتلت أراضيهم عام 1984 فحاول الصهاينة تدجينهم وغسل أدمغتهم عبر فتح أبواب الكيبوتسات لهم ليصبحوا جزءاً من المجتمع الإسرائيلي؛ يعيشون فيه ويتعلمون ويتطبَّعون بطباع ساكنيه من اليهود اليساريين. تعلم حمزة في الكيبوتس ما شاء أن يتعلم، وعانى كثيراً من عنصرية الصهاينة لأنه عربي، الأمر الذي حدا به لأن يصبح بطلاً في الملاكمة (ليدافع عن نفسه بقبضة من حديد)، وبدلاً من أن يتبنى الفكر الصهيوني، إذا به يخرج من الكيبوتس ثورياً مناضلاً يرفض وجود من سرق أرضه واحتل بلاده.
يؤمن حمزة يونس أنه لا شيء في هذه الدنيا كامل، لأن الكمال لله وحده.. إذن: هناك ثغرات يمكن الفرار عبرها، وانتزاع حريته عنوة من خلالها رغماً عن أنوف السجانين. وهي القاعدة التي عمل عليها مرات ثلاث، وكُلِّلت بالنجاح في كل منها.
هرب في المرة الأولى من سجن عسقلان مشياً على الأقدام إلى غزة (وكان ذلك قبل حرب حزيران واحتلال غزة، حيث كانت غزة تخضع للنفوذ المصري)، وعمل مترجماً للغة العبرية مع المخابرات المصرية. وفي أثناء احتلال غزة في الـ 67 قاوم وقاتل بسلاحه حتى أصيب في ساقه إصابة بالغة واعتُقل برغم إصابته، وأودعه الاحتلال المستشفى المعمداني تحت حراسة مشددة، ولكنه وبمعاونة أصدقاء من الخارج تمكن من الهرب، وتنقل في أماكن عدة داخل غزة، قضى شهراً بين بيارات البرتقال داخل حفرة.. قام بعدها بزيارة خاطفة لأهله في عارة ولم يكن قد التقى بهم منذ سنوات.. غادرهم بعدها إلى الأردن متخفياً باسم مستعار لطالب يدرس في مصر وعليه العودة لإكمال امتحاناته. وفي الأردن دخل المشفى لفترة قصيرة لإكمال علاج إصابته، ثم سافر إلى مصر وعمل مع منظمة التحرير الفلسطينية معلماً للغة العبرية، ومترجماً من العبرية للعربية، ومذيعاً في إذاعة فتح، وإلى جانب ذلك التحق بالمدرسة مرة أخرى ونجح في الحصول على ثانوية عامة عربية، مرة أخرى.