هل رأى مايك لينك مقرر الأمم المتحدة في فلسطين صورة الأسير مقداد القواسمي وهو يصارع الموت، ويوشك أن يُنتزَع الروح؟
بل هل رأى السيد محمود عباس ورئيس وزرائه ووزير خارجيته وسفراؤهم صورة هذا الجسد الذي أوشك على الفناء!
نعم، لقد رأوا وسمعوا وعرفوا دونما تُرقِّقُ لهم الصورة قلباً أو توقظ ضميراً أو تُرف لهم جفناً.
عام 1988 وفي خضمّ سنوات المجاعة الشهيرة في السودان، تمكّن المصور العالمي كيڤن كارتر من لفت أنظار العالم للضحايا من خلال التقاط صورة لطفلة هي عبارة عن هيكل عظمي يكسوه الجلد العاري تزحف وسط النسور نحو أحد مراكز توزيع المعونات الغذائية البائسة.
حينها نجحت صورة كيڤن كارتر -وإن كانت الطفلة قد ماتت قبل الوصول- في إجبار العالم ولو على استحياء للإسراع إلى تقديم المعونات لمن بقوا يصارعون الجوع من جهة، والنسور الفاسدة
-المتصارعة على السيطرة والنفوذ- من جهة ثانية.
إن ثمة صورة سُوّقت لهدف "تجاري ومادي" في ثمانينيات القرن الماضي أي في زمن الأبيض والأسود نجحت في تخفيف المعاناة عن الملايين.
لكن للغرابة فإنه في زمن الوصول إلى الفضاء وعالم الألوان لم تصل صورة لأسير فلسطيني تشبه إلى حد كبير صورة تلك الطفلة، إلى أفئدة العالم ولا لضمائرهم رغم وضوحها أكثر وأكثر وانتشارها بشكل أوسع.
للأسف لم تغير الصورة الملونة، ولم تبدل ولم ترفع المعاناة عن ضحية واحدة وليس ضحايا بالملايين.
ولست أدري كم من القرارات والمواثيق والاتفاقيات والمعاهدات الدولية سُنت تحت بند حقوق الإنسان لم تحمِ هذا الإنسان المقيد بسلاسل الظلم والاحتلال.
ولست أدري -أيضاً- إن كانت المشكلة بالأساس بالعالم الصامت أم بالضحية المسجاة أم بمن فشل في تحمل مسؤولياته الوطنية في حماية مواطن مناضل رغم امتلاك كل وسائل القوة في المحافل الدولية، وخاصة في مجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
إن سلطةً تترك مواطنًا يموت على الهواء مباشرة بالصورة والصوت أجدر بها أن ترحل غير مأسوف عليها.
وإن مؤسسات أممية ودولية تدافع عن حقوق الحيوان، ولا تدافع عن أبسط حقوق إنسان أجدر بها أن تصمت.
وأختم بالقول إن مَثل الأسير مقداد القواسمي كمَثل الأسير كايد الفسفوس الذي أرسل رسالته الأخيرة من سرير الموت، وعبّر فيها عن حالة الغضب واليأس من الجهات الرسمية الفلسطينية والدولية، وأعلن فيها رفع قضيته وقضايا رفاقه الستة من ظلم الأرض إلى عدالة السماء.