خلال السنوات الأخيرة تمكنت المقاومة الفلسطينية من الدخول إلى منزل أكبر ضابط وأصغر جندي في "الجيش الإسرائيلي" عبر الحواسيب الخاصة والهواتف الذكية لتكون بهذا الوصول على مسافة واحدة مع حبل الوريد.
إن صراع الأدمغة وحرب الاستخبارات بين استخبارات المقاومة الفلسطينية من جهة و بين الشاباك والموساد من جهة ثانية تغلبت فيها الأولى في الفترة القليلة الماضية، وليس أدل على ذلك هو اختراق حواسيب وهواتف الجنود والحصول على معلومات مهمة ربما كان لها الأثر الكبير في انجازات ميدانية مهمة تحققت في المعركة الأخيرة "سيف القدس".
ومهما حاولت "إسرائيل" التقليل من أهمية المعلومات والرسائل الموجهة خاصة فترة الحرب وما تبعها من دعاية سياسية داخلية وخارجية موجهة، إلا أن الحقيقة واحدة هو انجازات شهدها الميدان وضربة واستهداف محقق للوعي لدى الجندي "الإسرائيلي" الذي وقع بين فوهة بندقية المقاومة وبين حكومته ووزارة حربه ورئاسة أركانه الكاذبة.
"إسرائيل" حاولت خلال الحرب "سيف القدس" تعبئة الجنود بمعلومات ضخمة تقلل فيها من شأن المقاتل الخصم، لكن المفارقة أن الجنود اكتشفوا لاحقا أنها مزيفة ومضللة ولا أصل لها أمام مقاتلي المقاومة وأن رسائل التهديد والوعيد التي كانت تصلهم قبل المعركة كانت حقيقية وقد رؤوها رأي العين على تخوم شرق بيت حانون وغرب بيت لاهيا وبالتحديد على مشارف زيكيم حيث استهداف الحافلة العسكرية.
المعركة شكلت صدمة كبيرة للجنود وهو أمر طبيعي وتكرر في السنوات الأخيرة، ولكن الصدمة الثانية كانت هي استخفاف القيادة بالجند وتركهم ينتظرون حتفهم.
إن أمام "إسرائيل" التي قررت موازنة لوزارة الحرب لعام 2022 قدرها (17.6 مليار دولار أمريكي) معضلة كبيرة وهي فقدان الثقة من الجنود بقيادتهم العسكرية والسياسية، فما يغني المال والتكنولوجيا أمام جندي مهزوز ومضطرب وغير واثق.
الضربات الأمنية التي تصيب العقل والوعي لدى الجندي تسمى في العلوم العسكرية انتصار مؤكد لطرف على حساب طرف وحسم للمعركة قبل بدأها ربما بنسبة تزيد عن خمسين إلى خمسة وخمسين في المئة.
ورغم أن معركة الأدمغة أهم وأصعب بكثير من المعارك في الميادين الساخنة والساحات الملتهبة إلا أن "إسرائيل" التي كانت تُغرس في العقل العربي الظاهر والباطن بأنها وحش لا يهزم -تهزم اليوم في المعركتين-، حدث هذا في مرات عدة و "المجتمع الإسرائيلي" بمكوناته كافة يشهد باللسان أو يخفي في الصدور.
إن الاختراقات التي حققتها المقاومة الفلسطينية في هذا الشأن تؤسس بلا شك ليوم الخلاص والتحرير والانتصار الذي يُرى بعد كل معركة من فوهة البندقية.