"ربط بينهما حبٌّ جارف، ذللا كثيرًا من الصعاب ليجتمعا تحت سقف واحد، ولكن لم يمضِ كثير من الوقت قبل أن يبدأ بريق الحب بالخفوت شيئًا فشيئًا حتى خبا تمامًا، لتعمَّ الخلافات والشجارات بينهما.. تحول البيت إلى جحيم لا يُطاق.. اضطرت الزوجة إلى الرحيل إلى بيت أهلها، ليبدأ شوط جديد من الخلافات على حضانة الطفلتين، مرَّة مع والدتهم التي تزوجت فانتقلت حضانتهما إلى والدهما، ثم إلى جدتهما بعد وفاة الوالد في حادث طرق، ثم إلى العمة ضعيفة البصر والسمع بعد مرض الجدة.. عاشت الطفلتان حياة غاية في القسوة، ينعدم فيها الاستقرار، أما الحب فغائب عن الأفق، محاق لا يظهر إلا كما يظهر هلال أول يوم في الشهر!".
هل يمكن للحب أن يأفل؟ هل هو شمس تغيب عن نواظرنا فلا تترك خلفها أثرًا يدل عليها؟ هل يستطيع الحب أن يمكث داخل أسرة تغلب عليها الشجارات الدائمة والخلافات التي لا تهدأ؟ أم تراه يستمر بين زوجين يفتقدان التواصل الإيجابي والحوار العقلي والعاطفي البنَّاء والأشياء مشتركة فيما بينهما.. فلكل منهما اعتقاداته وطريقته المختلفة في التفكير وأسلوبه في العيش الذي لا يتفق أو يتماشى معه الطرف الآخر؟
أم قد يدوم في بيت يتغيب فيه رب الأسرة باستمرار، فهو قليل الحضور، وإن حضر فحاضر جسديًا غائب عاطفيًا وفكريًا عن أسرته وما تتعرض له من مشكلات يومية وعقبات تعترض طريقها، في وقت يكون بمقدوره أن يكون الصدر الحاني الذي يحتضن الصغار ويأنس إلى أسرته يهتم باهتماماتهم ويحرص على كل يخصهم؟
أم يكون بمقدور الحب أن يستمر يانعًا فياضًا داخل أسرة وبين أفرادها في حال انفصال الوالدين ورحيل أحدهما وبقاء الأطفال مع الآخر؟ وكيف للطفل أن يحيا حياة طبيعية مثل كل البشر في مكان عليه أن يختار فيه بين أمرَّين أحلاهما أشد مرارة من العلقم: الرحيل مع أمه، أو البقاء مع أبيه؟ وكيف له أن يُفضِّل واحدًا منهما، فيقبل البقاء مع أحدهما مقابل التخلي عن الآخر؟
ما من معول يهدم الأسرة بشراسة ويدمر أركانها ويطعنها في مقتل مثل جفاف نبع الحب داخلها، الذي يظهر في صورة عدم استعداد الوالدين لمنح الحب واستقباله.
الحب مقرون بتضحية الوالدين واستعدادهما لتحمل أعباء الأبناء ومسؤولياتهم.. واستيعاب كل من الزوجين للآخر واحتمال بكل حسناتها وسيئاتها، والأمر ذاته ينطبق على الزوج أيضًا.
والحب أيضًا متعلق بالتسامح والمغفرة، فلا يقف رب الأسرة المحب لأسرته ليحسب كل صغيرة وكبيرة، وكل هفوة وسقطة ويحاسب ويعاقب عليها أشد العقاب.. فما بين لوم وتقريع شديد، وضرب وعنف، وصراخ وشتم.. ليصبح البيت جحيمًا لا يُطاق يسوده التوتر والصراع، ويصبح إخفاء كل شيء مهما كان حجمه عن الأب أو الأم غير المتسامح أو حتى كلاهما هدفًا يبذل الأبناء أو الآباء فيما بينهم كل مجهود لتحقيقه.
يجتمع أفراد الأسرة تحت سقف واحد، داخل جدران تفصلها عن الخارج، ولكن يغلب عليها علاقات باردة مفككة، يسود الحد الأدنى من العلاقات فيما بينهم، فتبادل العواطف ضعيف، والتواصل فيما بينهم ذابل لا يرقى إلى ذلك النوع الذي يحفظ الروابط الأسرية والعواطف الطبيعية بين أفرادها. ويكون الأبناء هم الخاسر الأول دومًا، ومن يدفع ثمنًا باهظًا.
يلاحظ أحد الطرفين منذ بدء العلاقة أن الآخر يختلف عنه بشكل لن يتوصلا فيه إلى نقطة التقاء.. ولكنه يستمر معه مُعتقدًا أنه سيؤثر فيه بشكل يحدو إلى التغيُّر.. ولكن علينا أن نكون واقعيين ونعترف لأنفسنا أن التغيير صعب، وألَّا يعول الشخص كثيرًا على التغيير.. فما من ضمانات تؤكد أنه سيحدث فعلًا.
وبدلًا من إنهاء علاقة يبدو من البداية أن الاستمرار فيها درب من المجازفة، يستمر الطرفان وكل منها يعوِّل على تخمينات لا ندري ما سيأتي بعدها.. فتكون النتيجة في حال الاستمرار تفكك الأسرة وتصدُّعها، ونضوب الحب... ثم الانفصال في النهاية.
لذا أقول.. راجعوا أنفسكم جيدًا منذ البدايات وتأكدوا: هل ستستطيعون الاستمرار مع الآخر وستحافظون على الدفء والحب نابضًا بالحياة؟ حتى لا يضطر الأطفال دفع ثمن علاقة ليسوا هم السبب في دمارها.