في خطوة فريدة من نوعها قامت دولة الاحتلال الإسرائيلي بتصنيف ست مؤسسات مجتمع مدني فلسطينية منظمات إرهابية واتهمتها بتحويل مساعدات المانحين إلى النشطاء، ويشمل القرار مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومؤسسة القانون من أجل حقوق الإنسان “الحق”، وشبكة صامدون للدفاع عن الأسرى، والحركة العالمية للدفاع عن الطفل-فلسطين، واتحاد لجان العمل الزراعي، واتحاد لجان المرأة العربية، ومركز بيسان للبحوث والإنماء.
السؤال المطروح: ما الغريب في هذه الخطوة الإسرائيلية...؟ وما هو الأغرب...؟ وما تداعيات وأثر هذا القرار الصهيوني...؟
الغريب في هذه الخطوة أن دولة احتلال باتت تصنف مؤسسات الشعب المحتل ما بين إرهابي وغير إرهابي، وأصبحت تعمل على صناعة مفهوم المواطن الصالح عبر سلسلة خطوات يساندها في ذلك أطراف خارجية تهدف من خلالها ترسيخ قناعة لدى المواطن الفلسطيني بأن عملك وسفرك ومساعداتك الإنسانية مرتبطة ببعدك عن المقاومة، ومؤشرات ذلك واضحة في الشارع الفلسطيني وعلى المعابر وفي صرف المنح والرواتب. وسط صمت مغلوب على أمره من تيار المقاومة. والتمايز وصل إلى الحركة الوطني حيث يتعاطى الاحتلال مع قادة الحركة (X) بشكل مختلف من الحركة (Y).
بل تجاوز الأمر لأن يصبح التمايز على خلفية الجغرافيا، حيث نجحت (إسرائيل) في تقسيم الفلسطينيين إلى خمس دوائر (الشتات – فلسطينيو 1948م – القدس – الضفة الغربية – قطاع غزة) وتتعاطى مع كل منطقة بشكل مختلف مع المنطقة الأخرى والهدف الرئيس من كل ما سبق: حرب نفسية تهدف لضرب الروح المعنوية وترسيخ انقسام جغرافي وسياسي ونفسي واجتماعي بما يضعف القضية الفلسطينية ويمنح الاحتلال قوة للسيطرة والهيمنة والتحكم فيها.
إن تصنيف بعض مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية الفاعلة والتي يدعي الاحتلال أنها تتبع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين له مدلولات سياسية وقانونية خطيرة، وتعكس حجم تجرؤ الاحتلال على هويتنا الوطنية، وأنه يعيش أفضل حالاته في كي الوعي الجمعي والسبب المباشر حالة الانقسام والتيه السياسي الذي نعيشه كفلسطينيين.
لكن الأغرب هو تعاطي الولايات المتحدة الأمريكية مع الخطوة الصهيونية، والتي جاءت على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، إن الولايات المتحدة ستتواصل مع (إسرائيل) للحصول على مزيد من المعلومات بشأن تصنيف المنظمات الفلسطينية على أنها منظمات إرهابية. وكأن إسرائيل دولة محايدة ونزيهة تنتظر الولايات المتحدة التي تمتلك أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم معلومات موثوقة حول هذه المؤسسات. للأسف سقوط للدبلوماسية الأمريكية وانحياز واضح وازدواجية معايير لم تختلف بين بايدن وترامب.
إن أهم التداعيات للقرار الإسرائيلي هو مزيد من التضييق على تمويل وعمل المؤسسات الست، وتحريض على العاملين فيها، وهذا سيؤثر سلبًا على أدائها وينعكس أثره على الحريات العامة والخاصة في أراضي السلطة الفلسطينية، وكذلك ستتأثر العديد من المشاريع الزراعية والصحية ومشاريع تتعلق بالطفولة، وهذا سيزيد من الحصار والواقع المأساوي الذي يعيشه قطاع غزة، والذي ازداد سوءًا مع تأخر مساهمة الاتحاد الأوروبي لمنتفعي الشؤون الاجتماعية وكأن حربًا دولية تستهدف فقراء شعبنا ومؤسساته تتناقض وقيم ودساتير هذه الدول.