فلسطين أون لاين

معضلتا الكيان الإسرائيلي الأبرز: الديموغرافيا والعمق الإستراتيجي

 

صرح رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية نفتالي بينيت أن على (إسرائيل) أن تضع غاية أمامها بإحضار نصف مليون مهاجر جديد في عشر سنوات، من مجتمعات يهودية كبيرة في الولايات المتحدة وأميركا الجنوبية وفرنسا. هذا المخطط يترافق مع إصرار كيان الاحتلال الإسرائيلي على رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، بما يوضح خشية صناع القرار في الكيان من الخطر الديموغرافي الذي تشكله الكتلة السكانية العربية.

فمنذ سنوات تركز النخبة الحاكمة في كيان الاحتلال على مسألة "الخطر الديموغرافي"، لأسباب عديدة أبرزها: المخاوف الإسرائيلية من تعاظم الوعي القومي المتنامي لدى فلسطينيي 48، وفشل الحكومات المتعاقبة في تحقيق التوازن الديموغرافي على الرغم من الإغراءات التي يقدمها الكيان والوكالة اليهودية لزيادة عدد الولادات ولجلب مهاجرين جدد، بل إن عدد الراغبين فى الهجرة المعاكسة قد تزايد.

وتنظر النخبة الحاكمة في الكيان إلى أن استقدام المهاجرين لا يقويهم "كدولة" فقط، وإنما يحافظ على استمرار وجودهم كيهود مقابل انصهار اليهود المتزايد في المجتمعات الأخرى وخاصة في الولايات المتحدة.

ومن اللافت في الآونة الأخيرة أن كيان الاحتلال الإسرائيلي يسعى لاستقدام اليهود وزرعهم في الأراضي المحتلة في هضبة الجولان؛ وذلك لفرض أمر واقع وإنهاء أي حديث عن انسحاب إسرائيلي محتمل من الهضبة المحتلة.

ويعود التمسك الإسرائيلي بهضبة الجولان لما تتمتع به الهضبة من أهمية إستراتيجية استثنائية لمن يسيطر عليها، إذ تسمح جغرافيتها الفريدة وقممها المرتفعة بالإشراف على العاصمة السورية دمشق شرقاً، وعلى سائر المدن وسط وغرب أراضينا الفلسطينية المحتلة، كما تطل على مناطق في الأردن ولبنان، ومن يسيطر عسكرياً على الهضبة يمكنه أن يطال أي مكان حتى بأبسط الأسلحة التقليدية.

ويسعى كيان الاحتلال لفرض الطابع اليهودي على جغرافية المكان بتزييف التاريخ والحضارة واستبدال المعالم الأثرية وإقحام الوجود اليهود عليها، ورُصِدَتْ لذلك ميزانيات كبيرة للعمل على مشاريع سياحية ترفيهية ودينية لليهود.

ومن الجدير بالذكر أن مصادر المياه شكلت محوراً رئيساً في التفكير لدى قادة الإحتلال، لتثبيت أركان الكيان وضمان تمتعه بمقومات الحياة الآمنة، فبعد عام 1967 أضحى الجولان خزان مياه للكيان يزوده سنوياً بما نسبته 30% من احتياجاته المائية، وعليه فإن حرمان الكيان مواردَ ومصادر المياه في الجولان يعني حرمانه الحياة والوجود.

ومن الواضح أن ما ينفذه كيان الاحتلال الإسرائيلي من مشاريع استيطانية حالياً يعد أضعاف ما نفذه في العقدين الأخيرين، حيث تولدت قناعة لدى قادة الكيان المحتل بأنه لا توجد قدرة للسوريين في المستقبل على استعادة الجولان، لذا تسارعت وتيرة المشاريع الاستيطانية ذات الطابع السياحي والزراعي لفرض الأمر الواقع.

والمتابع لتصريحات قادة كيان الاحتلال الإسرائيلي، يلحظ بوضوح أن ثمة تعنتاً عند الحديث عن تسويات محتملة مع سوريا بشأن الجولان المحتل، وتؤكد خطابات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وتوصيات مراكز الأبحاث "الإسرائيلية" ضرورة أن تفضي أي مفاوضات إلى سيطرة "إسرائيلية" كبيرة على مصادر المياه في الهضبة؛ بذريعة حاجة الكيان الإسرائيلي الماسة للمياه، ناهيك بمحاولة إبقاء عمق كبير من أراضي الهضبة من جهة الشرق تحت الرقابة "الإسرائيلية المباشرة وغير المباشرة.

ويسوق كيان الاحتلال الإسرائيلي أطماعه في الجولان بأن الصراع السوري الداخلي ستنعكس ارتداداته الأمنية على الكيان، وأنه من الأفضل أن تكون هذه الأرض الجميلة والإستراتيجية تحت السيطرة، ولذلك فإن فرض وقائع على الأرض سيعزز موقف الكيان التفاوضي في حال هدأت رحى الصراع الدائر في سوريا.

ويتضح مما سبق أن الاستيطان يمثل حجر الزاوية في الأيديولوجية "الإسرائيلية"، إن كان في الجولان أو في الأراضي الفلسطينية؛ وذلك للأهمية العظمى التي يعلقها كيان الاحتلال الإسرائيلي على الاستيطان، التي تكمن في عدة أغراض ديموغرافية وأمنية وسياسية واقتصادية ومائية وطائفية؛ فالاستيطان يعمل على جلب المزيد من المهاجرين اليهود، وتهجير السكان الأصليين، ومن ثم تهويد الأراضي المحتلة، بقلب الميزان الديموغرافي فيها. كما يعني السيطرة على المناطق الإستراتيجية والموارد المائية، إضافة إلى السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة.

وكما اتضح أن الاستيطان يمثل خطوة متقدمة تفرض وقائعها على الأرض، وورقة ضاغطة يمكن استخدامها في مراحل المفاوضات المختلفة، إضافة إلى كون المستوطنات بؤراً للصراع يمكن الاعتماد عليها لإشعال فتيل المواجهات للابقاء على الجهوزية مستمرةً لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي تحسباً لأي طارئ؛ لكون الكيان ذا طابع حربي زُرع في قلب المنطقة للحيلولة دون وحدتها.