فلسطين أون لاين

يوسف صبح.. "الفتى الكبير" يدافع عن بلدته حتى الرمق الأخير

...
الشهيد يوسف صبح (أرشيف)
جنين-غزة/ جمال غيث:

لم يتمالك الفتى يوسف صبح (16 عامًا) نفسه أمام انتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي واقتحامه المدن والبلدات الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة، فأخذ على عاتقه التصدي لبطشه وإرهابه.

ورغم صغر سن الفتى صبح، إلا أنه عشق النضال ومقارعة الاحتلال ومواجهته كلما حدث اقتحام لبلدته برقين الواقعة جنوب غرب مدينة جنين شمالي الضفة الغربية.

كانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة فجرًا، عندما خرج "صبح" من منزله على أصوات إطلاق نار وانفجارات في المنطقة، عقب اقتحام قوة من جيش الاحتلال البلدة، ليشارك شبانها في صد الاقتحام، والقول لمحمد صبح، والد الشهيد.

مواجهات عنيفة دارت لساعات في البلدة ليخيم الخوف والقلق على منزل عائلة صبح، فيحاول الأب الاطمئنان على نجله، وبعد عدة مكالمات يرد الابن بأنه في منطقة آمنة وسيعود إلى المنزل قريبًا.

رجل البيت

ويقول والده: إن جميع محاولاته فشلت لثني ابنه الذي أبصر النور بعد ثلاث بنات وسنوات من الانتظار المُر، عن مغادرة المنزل، خاصة لصعوبة الأحداث وارتفاع أصوات الانفجارات وإطلاق النار، ليستسلم لنداءات ابنه رافعًا يديه إلى السماء داعيًا لأن يعيده الله سالمًا معافى.

وما هي إلا ساعات حتى دق هاتف والده الساعة السابعة والنصف من صباح أول من أمس، ليجدا رقمًا غريبًا، حتى بدأ قلبه يخفق بقوة ويتلعثم في الكلام وهو يهمس للمتحدث وينظر لزوجته محاولًا إخفاء مشاعره عنها لتبادره بالسؤال: "شو في، وين يوسف؟"، ليرد بتأتأة: "يوسف مصاب وتم نقله إلى المستشفى".

بعد المكالمة خرج والده مسرعًا ووالدته تلحق به إلى الشارع وصولًا إلى مكان إصابته، ليجدا آثار دمائه منسابة على الأرض، وفور سؤاله عن مصير يوسف، بدأ أهالي المنطقة بمواساته، والجميع يخبرونه بدعاء الله أن يتقبل نجله، ليُفجع وزوجته ويسقطا أرضًا من الصدمة.

حاول والده جاهدًا تمالك نفسه وهو يقنع زوجته بأن ابنهما مصاب، لكن دون جدوى، فالأم سمعت خبر استشهاد ابنها المدلل، وقرأت في عيون الناس خبر استشهاده، لتقترب إحدى النساء منها لتواسيها باستشهاده، وتخبرها بأن جيش الاحتلال احتجز جثمانه.

يقول والده بحزن إنه رجل البيت، وقد جاء إلى الدنيا بعد أعوام من الانتظار، وإنجاب ثلاث فتيات، وبعده بنت رابعة، فملأ علينا البيت حبا وبهجة، وكان دائمًا ينشر الفرح بين شقيقاته، و"كنت أعتمد عليه في كل شيء".

وصية جاهزة

لم يتمالك والد يوسف نفسه من الحزن حتى تهاوت الدموع من عينيه وهو يتحدث لصحيفة "فلسطين" بصوت متحشرج: "رحل يوسف دون رجعة، كيف سأمضي الأيام من بعده؟ كم أتمنى أن أكون في حلم وأستيقظ منه على وجوده أمامي".

ويفتخر والده، رغم حزنه، بابنه الذي كان يقف إلى جانبه ويعينه في العمل كونه يعمل في تمديد شبكات الكهرباء في البلدة، إذ كان الشهيد محبوبا من الجميع، ويترك انطباعًا حسنًا في أي مكان يتواجد فيه، عدا عن أنه كان فتى كبيرا بأفعاله، من أوائل المتصدين لجيش الاحتلال حال اقتحم البلدة، وقد كان دائما يحرص على أن يكون له دور في إفشال مخططاته لاجتياح المنطقة بين الفينة والأخرى.

ويكمل: "كان يوسف في كل يوم يقبل يد والدته، ويوصيها بالترحم عليه وعدم البكاء في حال وصلها نبأ استشهاده في يوم من الأيام، فكان يعلم أن حياته قصيرة جدا ومطيعًا لنا، ولا يقدم على ارتكاب الأخطاء أو معصية الله، وكان حنونًا على شقيقاته ومحبًا لهن".

وما يزيد من حزن صبح أن قوات الاحتلال بعدما أطلقت النار على ابنه وإصابته بجراح خطِرة وفق شهود عيان، تركته ينزف ومنعت الطواقم الطبية من الوصول إليه، إلى أن فارق الحياة، لتحتجز بعد ذلك جثمانه.

ويحتجز الاحتلال جثامين الشهداء في ثلاجات، كمحاولة منه لقتل روح النضال لدى أبناء الشعب الفلسطيني، ومنعهم من التصدي له خلال اقتحام القرى والمدن الفلسطينية وارتكاب الجرائم.

وفي المنطقة التي استشهد فيها "يوسف" ارتقى قريبه الأسير المحرر أسامة صبح، إثر إصابته برصاصة في بطنه.

وأعلن فجر أول من أمس استشهاد 5 مقاومين في اشتباكات مسلحة مع قوات الاحتلال خلال اقتحامها قرية بيت عنان شمال غرب القدس وبلدة برقين في جنين، وإصابة ضابط وجندي إسرائيليين بنيران المقاومين.