يعد السلوك العدواني مظهرًا سلوكيًّا للتنفيس عما يعانيه الإنسان من أزمات انفعالية غير سارة، فيميل منذ طفولته إلى السلوك العدواني نحو الذات، والآخرين، وممتلكاتهم.
ومما هو متفقٌ عليه أن سلوك الإنسان هو مُحصلة لخصائص الفرد الشخصية وللمواقف والظروف التي يحياها، والعدواني شأنه كذلك فهو انعكاس لتأثير مجموعة العوامل الاجتماعية والاقتصادية والأكاديمية والخبرات الحياتية السالبة.
وعزا باحثون ذلك إلى عاملين، أحدهما بيولوجي يؤدي إلى ذيوع السلوك العدواني لدى الفرد، والآخر بيئي، مثل: مواقف الوالدين وسلوكهم الذي يؤدي دورًا في إثارة الغيرة لدى الطفل، والإحباط، والمعاملة القاسية للطفل، والتدليل الزائد وتلبية طلبات الطفل، وتقليد الآخرين.
يضاف إلى ما سلف، اكتساب السلوك العدواني من الواقع، كحال واقعنا، لما يشاهده ويعيشه الطالب يوميًّا من: قتل، وتدمير، وتشريد، وهدم من قبل الاحتلال الإسرائيلي، كل ذلك يؤدي إلى تغيير تكوينه، إذ إنه خلق على الجبلة والبراءة، لكن استعداده لقبول السلوكيات غير الاجتماعية جعلت منه قنبلة موقوتة، إذا آن أوان انفجارها تضرر هو من جهة، ومجتمعه من جهة ثانية.
يقول أستاذ علم النفس والإرشاد التربوي في جامعة النجاح بنابلس د. غسان ذوقان: إن السلوك العدواني ليس وليد اللحظة التي يحدث فيها الفعل المخالف للقيم والمعايير الاجتماعية، بل هو وليد عدة مصادر أولها التنشئة الاجتماعية الخاطئة التي تلقاها الأطفال قبل التحاقهم بالمدارس، وكذلك حالات الإحباط والضغوط النفسية الكبيرة التي يتعرض لها الطلاب بحكم الواقع الذي يعيشه مجتمعهم وأولياء أمورهم.
ويضيف في حديثه لـ"فلسطين" أن النقطة المركزية التي لا بد من الإشارة إليها هي تأثير الفضاء الإلكتروني بما يتضمنه من ثقافات مغايرة لثقافة المجتمع، وما توفره التكنولوجيا والإعلام المعاصر من ألعاب العنف والتمرد.
ويرى ذوقان أن مكانة المعلم في المجتمع تعتمد على مدى توفر القيم الدينية والخلقية، ومستواه الاقتصادي.
ومن خلال دراسة أجراها على مدارس الإناث في محافظة نابلس، لاحظ ذوقان ازدياد العنف والتمرد على القوانين في مدارس البنات، وخاصة تلك التي كان يحدث فيها مواجهات بين طالباتها وجنود الاحتلال بين فينة وأخرى، فالمعلم والمدير يمثلان مصدرًا للسلطة، والطلبة الذين يخرجون في مسيرات ومواجهات مع جنود الاحتلال ويتحدونهم ولا يخضعون لهم، أصبح من السهل عليهم التمرد على المعلم والمدير، وفق حديثه.
ويرافق هذا السلوك تعامل الطالب مع أقرانه ومدرسيه في أثناء انتقاله من مرحلة التعليم المفتوح "التوجيهي وما قبلها"، إلى خطوات الطالب الأولى في مرحلته الجامعية، وهو ما أشار إليه مدير جامعة غزة -فرع الشمال د. محمد الحمضيات في أثناء حديثه لـ"فلسطين"، قائلًا: الطالب يعمد إلى لفت الأنظار إمَّا بالتفوق، وإما بالتمرد.
وبحكم معيشتنا في عالم سريع التغيُّر اجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا بل وتكنولوجيًّا، فهذا يفرض احتياجات جديدة وعديدة في مجال الإرشاد النفسي والتربوي، فالمطلوب زيادة عدد المرشدين في المدارس من ناحية وتفريغهم لهذا الدور، ومتابعة تطويرهم باستمرار لمواكبة التغيرات التي تعكس آثارها على سلوك الطلبة، إضافة لضرورة زيادة عدد المرشدين التربويين في ظل أعداد الطلبة الكبير جدًّا في مدارسنا.
مسؤولية تشاركية
وحول عملية العلاج يقول ذوقان: إنها مسؤولية جماعية ومجتمعية، تشاركية بين الأسرة والمدرسة، والمسجد، والنادي الرياضي، ونوادي الكشافة والنوادي الصيفية، ووسائل الإعلام، ومُعدي المناهج التعليمية، وكذلك تقوية العلاقة بين البيت والمدرسة بواسطة المرشد والإدارة المدرسية، بالتعاون مع مجالس الآباء، وتفعيل مجالس الضبط في المدارس وخاصة الإعدادية والثانوية إن فشلت كل مساعي الإرشاد وتعديل السلوك.
في حين لخص المختص التربوي علاء الربعي طرق العلاج بحاجة الإنسان لقوّة تُمكنه من الضبط السليم لرغباته وميوله وتوجيهها لصالح نفسه ومجتمعه ولا قوّة تتمكن من القيام بهذا الدور أفضل من قوّة الوازع الأخلاقي فهو قوّة تدفع الإنسان للخير وللسواء والتوازن النفسي وتمنعه عن الانحراف والاضطراب النفسي وتُذكره بحدوده وتعرفه بحقوق الآخرين وفق ضوابط أخلاقية وقِيَمية فهمها من النصوص الشرعية.
فبقوة الوازع الديني يقوّي ذات الإنسان ويطور وعيه ومداركه، ويجعله في مستوى عالٍ من التمسك بالتشريعات والأخلاق والآداب الإسلامية ويتحلى بالمسؤولية الاجتماعية لضمان التفاعل الإيجابي مع الغير ويرتقي بالأفكار السديدة والسلوكيات الإيجابية التي تُساعده للوصول إلى التوافق النفسي والاجتماعي.
فإن غاب الوازع الديني كثرت المشكلات الاجتماعية وحل السقوط الأخلاقي وفُقدت المعايير التقويمية وانتشرت الجريمة وتعاظمت المخاطر وضاعت الحقوق إن كان على المستوى الفردي أو الاجتماعي فالإنسان كائن تبريري قادر على تبرير جميع أفعاله وتصرفاته فيجد لأخطائه تبريرًا ولو بالاتكاء على أي فرضية تُرضي المجتمع كغطاء لخطئِه وسلوكه العدواني غير المسؤول.