انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة قبل 16 عامًا، حدث تاريخي جدير بأن يظل راسخًا في ذاكرة الأجيال الفلسطينية، وبينما نستذكر تفاصيله، نتذكر معه أيضًا رئيس حزب الليكود السابق "أرئيل شارون"، الذي أعلن قبل عام 2005 أن "التخلي عن أي أرضٍ مسلوبة من العرب سيشكل دلالة على ضعف (إسرائيل)"، قبل أن يقوم في العام نفسه بتفكيك المستوطنات في قطاع غزة.
كان الانسحاب بالفعل إحدى دلالات ضعف (إسرائيل) التي هربت تحت ضربات المقاومة، ثم ظهر أنه كان أيضًا أحد مقدمات ضعفنا في نواحٍ أساسية أخرى لا تقل قيمة عن العمل المقاوم من أرض مُخلاة. هل كان في تفكير شارون أنه سينشأ نظام سياسي فلسطيني يتنافس عليه تنظيمان جماهيريان؟ هل كان يراقب حالة ازدواجية السلطة خلال الانتفاضة الثانية، فأدرك مآلاتها على الوضع الفلسطيني؟
قد تختلف الآراء أو تنبثق تأويلات جانبية، لكن الثابت أنه كان يخطط لتبديد المشروع الوطني الفلسطيني، وكان يراهن على أنه ستنشأ "فوضى واسعة"، وهذا ما حصل، حيث نشأ استقطاب سياسي حاد، استخدم معه السلاح. ولم نتوقف منذ ذلك التاريخ عن دفع أثمان هذا النزاع الذي جرنا إليه التنافس التنظيمي على النفوذ، وليس شارون، الذي نصب الفخ المفضل لنا فقط، ثم كرت السبحة.
إيجاد الاستراتيجية الوطنية لمجابهة خطة الفصل السياسي الإسرائيلي المغلف بالصورة الأمنية، يبدأ بقبول هذا الرهان، والعمل على قاعدة إفشاله، لذا فإن إحياء ذكرى الانسحاب في كل عام، يلزم معه تقدير ما كان يتم الترتيب له وإجراء مراجعات، سواء اتفقنا معه أم اختلفنا.
الفصل الإداري والجغرافي لم يكن بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بل مع كل ما يمثل الهوية والكينونة الفلسطينية والوجدان خارج حدود القطاع؛ تحسبًا للارتباط الخطير والحساس الذي شاهدناه خلال معركة "سيف القدس" في مايو الماضي، والذي صور الاحتلال بأنه كيان يمكن تهديده والعبث بأمنه، وأظهر قدرة شعبنا على إعادة التماسك والالتحام بالمعركة، على درجة من الخطورة جعلت الاحتلال يتحسس ظهره لأول مرة.
عند هذا الحد، يمكن القول إننا بدأنا نصحح آثار هذا الفصل الإسرائيلي شعبيًا ووطنيًا؛ بفضل تمسكنا بالمقاومة والصبر معها، لكن دون القدرة على إسقاط الخطة من أصلها، بل هي تكبر معنا وتعيش في نظامنا السياسي وفي أفكارنا، وتغذي خلافاتنا، ويعمل بعضنا على خدمة هذا المشروع وإطالته.
نحن في الجانب النضالي نعيش انتصار 12 سبتمبر باقتدار، ونراكم عليه، كما نعيش الماضي السياسي بأخطائه ونراكم عليه، وهنا يظهر الانقسام الحقيقي والفاصل الزمني بين الفكر والتطبيق، أو الغيبوبة التي دخلها شارون 8 سنوات وأدخلنا إليها 8 سنوات أخرى.