إنجاز كبير ومختلف سجلته أجهزة أمن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، بإعلان إلقاء القبض على أحد المتخابرين مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد" واعتقاله، المكلف بمهام ميدانية خارجية، والمتورط مباشرة في اغتيال الشهيد "فادي البطش"، برفقة آخرين.
ربط الصمت لسان المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أمام قدرة المقاومة في نشاط الاستخبارات المضادة، وعدم تخليها عن ملاحقة وتتبع جريمة اغتيال أحد عناصرها في دولة أخرى، وشجاعة وضع الرأس في الرأس مع أخطر أجهزة الاستخبارات في العالم.
وبين حالة المفاجأة ومحاولة تصديق ما يجري، عبّر "يوني بن مناحيم" الضابط السابق في سلاح الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، ويتم استضافته عبر وسائل الإعلام بصفة محلل سياسي، وهو وثيق الصلة بالمؤسسة الأمنية، عن حال الأمن الإسرائيلي بعد الاعتقال.
عدّد بن مناحيم، في مقال بخط ساخط، عمليات للموساد ضد المقاومة، مثل اغتيال المبحوح والزواري واعتقال ضرار أبو سيسي، وغيرهم، في محاولة منه لتقدير الذات وموازنة الكفّة في الرأي العام الإسرائيلي، إلى قوله "إن التقدير في قطاع غزة هو أن الموساد لم يقل بعد كلمته الأخيرة ضد نشطاء حماس في الخارج".
بدت جملة إعلان الاعتقال صادمة، لكونها المرّة الأولى في تاريخ أجهزة أمن المقاومة في غزة التي يتم فيها اعتقال أحد عملاء الموساد المكلفين بمهام ميدانية خارجية، والخطورة التي يقدرها جهاز المهمات الخاصة في إسرائيل، أن اعتقال العميل سيكشف آلية العمل الخاصة بالموساد، من ناحية التجنيد والتشغيل والاتصال والتواصل والتمويل وآليات التنقل في الخارج، وسيساعد في التحقيق في جرائم مماثلة مثل اغتيال المبحوح والزواري.
بمجرد دخول العميل قطاع غزة وضع تحت المتابعة الأمنية المكثفة وصولًا إلى اعتقاله، وهذا تأكيد كافٍ أن غزة أرض حرام على المتعاونين مع أجهزة أمن الاحتلال، وخطاب حازم للموساد: "لسنا ساحتك".
الساحات الخارجية مستباحة بشكل خطير من الموساد، لذلك يلجأ لاستخدام الوسائل الرخيصة (العملاء) في المهمات الخطيرة، بعكس الوضع في غزة الذي اضطر معها لاستخدام "السيريت متكال" وغيرها، وزجّ بفلذات كبده إلى القطاع، على الرغم من معرفته بأنه لن يخرج سالمًا، وأنه أمام عدو لا يقاوم بالثرثرة.
إن إدارة ملف العميل بعد عملية الاعتقال، والوصول إلى هذا الإنجاز النوعي، يدل على حيوية وقدرة الأجهزة الأمنية في غزة على التعامل مع التحديات الكبيرة، وأنها لا تستصغر عدوًا، بل تظهر بحجمها كبيرة أمامه.
لا بد أن عملية الاعتقال قادت إلى نشوء قناة اتصال بين حركة حماس مع السلطات الماليزية للتعاون وإعادة التحقيق من جديد في ملف اغتيال الشهيد البطش، على ضوء المعلومات الوفيرة التي في يديها، ومن المؤكد أن ذلك سيقود إلى تفاصيل جديدة تمنع تكرار مثل هذه الاغتيالات مستقبلًا، وهو ما سابق "بن مناحيم" لنفيه، وهو مدرك بأن ما حصل حدث خطير يفوق القدرة على الفهم.