فلسطين أون لاين

مساجد نابلس القديمة تُحيي رمضان بشوق

...
نابلس - خاص "فلسطين"

حلقة علم قائمة، وأخرى لتلاوة القرآن، وفي مكان آخر تجد جماعة للمصلين تؤدي صلاتها، وآخرون يتبادلون أطراف الحديث، وبعض آخر يفترش الأرض ليريح جسده المنهك في ساعات نهار رمضان، مشهد رمضاني تستحوذ عليه مساجد مدينة نابلس القديمة.

وتلتقي حجارتها القديمة ورائحة الماضي مع أجواء رمضان الروحانية، التي يبحث عنها المصلي في قيام الليل وصلاة النهار، لتصبح تلك المساجد المنتشرة في حارات البلدة القديمة من مدينة نابلس قبلة لكل الباحثين عن التميز في قيام الليل وإحياء ليالي الشهر الفضيل.

ولعل سر تميز المساجد القديمة خلال شهر رمضان المبارك يكمن في كونها أولًا تتوسط المدينة، وقريبة من الأسواق التجارية التي تعج بالزبائن والبائعين الذين يجدون فيها المأوى للأرواح والأجساد في آن واحد.

ويعرف عن تلك المساجد تمسكها بطقوسها وعاداتها الخاصة من وجود مستمر لجماعات من المصلين في أوقات أداء الصلاة وخارجها، إضافة إلى وجود العديد من العادات الأخرى التي تقودها الجماعات الصوفية المنتشرة في تلك المساجد، التي هي كذلك تضفي لمسات روحانية وطقوسًا تعبدية تليق بالشهر الكريم.

وتحوي البلدة القديمة بين حاراتها وأزقتها وأسواقها وعلى أطرافها أحد عشر مسجدًا تعد من أقدم المساجد في الأراضي الفلسطينية، بحسب ما يقوله الكثير من المؤرخين والباحثين، ويتصدر مسجد الساطون هذه المساجد من حيث الأقدمية.

يجلس الحاج السبعيني أبو رامز بليبلة في المسجد الصلاحي الكبير بالبلدة القديمة، بعد أن وضع بين يديه خشبة تحمل مصحفه القديم ويرتدي نظارته ذات العدسات الكبيرة، ويتلو آيات من القرآن، قبل أن نقطع عليه خلوته ونجلس معه لنسأله عن مساجد البلدة القديمة وأجوائها في شهر رمضان المبارك.

ويقول الحاج أبو رامز: "لأجواء رمضان خصوصية في مساجد مدينة نابلس، وتزداد تلك الخصوصية في القديمة منها، حيث تتحول البلدة القديمة إلى قبلة لكل الباحثين عن الأجواء الروحانية والإيمانية، كونها تحظى بعادات وطقوس تختلف بها عن مثيلاتها من المساجد الأخرى بالمدينة".

ويتابع: "مساجد البلدة القديمة مفتوحة في أغلب وقتها، ويتخذها كبار السن مكانًا للاعتكاف وقيام الليل طوال شهر رمضان المبارك، وإن الابتهالات والأدعية والأذكار التي يرددها الأئمة والشيوخ في الصلوات المفروضة والمسنونة تضفي مزيدًا من الجمالية عليها".

وتكتسب تلك المساجد الأهمية المؤدية إلى زيادة الإقبال عليها من كونها قديمة، كما يقول الحاج أبو رامز، وأيضًا من شكلها المميز بقبابها ومآذنها ومحاريبها حتى حجارتها القديمة التي تجعلها كتحفة تهفو إليها القلوب، على حد قوله.

أما الحاج ظافر الشافعي (66 عامًا) فيعزو وجود أجواء خاصة للمساجد القديمة في نابلس إلى وجود أتباع للطائفة الصوفية، التي تبالغ في ترديد الأذكار والأدعية والأناشيد والابتهالات خلال نهار وليل وقيام شهر رمضان المبارك، التي تروق كثيرًا من المصلين".

ويضيف الشافعي: "منذ أن كنت طفلًا صغيرًا اعتدت الصلاة في مساجد البلدة القديمة، التي تتحول خلال الشهر الفضيل إلى ملاذ للباحثين عن الخشوع والروحانيات، حيث الأصوات الجميلة في التلاوة والأدعية التي تتخلل التراويح".

أما الشاب سعيد أبو حجلة فيقول: "إن هدوء المساجد القديمة في ليل رمضان _وخصوصًا وقت التراويح_ هو الذي يجعل الكثير من المصلين يرتادونها"، ويتابع :" قيام رمضان في مساجد البلدة القديمة يمتاز بالهدوء، لأن الأسواق تكون فارغة إلى حد كبير، على عكس باقي مساجد المدينة التي يشوش على صلاتها أبواق السيارات والمارة في آن واحد".

ويكمل: "وعلاوة على ما ذكرت إن تواضع المساجد القديمة، والرطوبة المنبعثة من حجارتها القديمة التي تطفئ حرارة الصيف كذلك عامل مهم في جعلها ملاذًا للباحثين عن الراحة والهدوء والخشوع".

وتحظى مساجد البلدة القديمة أيضًا بوجود برامج إيمانية دعوية، فعمدت مديرية الأوقاف إلى وضع جدول للدروس والمواعظ، والخطباء يتناوبون فيما بينهم على إعطاء الدروس عقب الصلوات المفروضة، إضافة إلى صلاة التراويح التي يتنوع فيها القراء والوعاظ، ويغدق أهالي البلدة القديمة من كرمهم على المصلين في أثنائها.

ويعود تاريخ بعض المساجد إلى زمن الصحابة، كما يقول بعض المؤرخون، مثل مسجد الساطون الذي يعود تاريخه إلى زمن الخليفة عمر بن الخطاب، والمسجد الصلاحي الكبير الذي يعود إلى زمن صلاح الدين الأيوبي، ومنها ما يرجع إلى زمن الخلافة العثمانية كما المسجد الحنبلي.