على الرغم من المكابرة الإسرائيلية، والإمعان بمواصلة السيطرة على الأراضي الفلسطينية، فإن هناك قناعة منتشرة بينهم، وإن حاولوا إخفاءها، أن معظم سكان العالم ونصف الإسرائيليين يرون أن استمرار احتلال الضفة الغربية غير مرغوب فيه، بل إنه كارثة.
مع العلم أن قلةً منهم يتوقعون أن ينتهي الأمر باتفاق مع الفلسطينيين، وفي غضون ذلك يميل الإسرائيليون لتجاهل هذه المسألة قدر الإمكان، ولعل ما أيقظهم هو قرار شركة الآيس كريم بعدم بيع منتجاتها في المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة.
بنظر كثير من الأوساط الإسرائيلية، فإن القرار الأمريكي يعني مقاطعة المستوطنات التي تنتهك القانون الدولي، وهو تأكيد بأن الضفة الغربية ليست جزءًا من (إسرائيل)، ما شكّل فشلا كبيرا للمهمة الإسرائيلية لإقناع العالم بهذا الادعاء، بزعم أن لديها مصلحة كبيرة بالحفاظ على الأغلبية اليهودية، والمستوى الحالي الذي يقل عن 80٪ هو الحد الأدنى الضروري لاعتبارها دولة يهودية.
اللافت أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي الدائم للضفة الغربية يتعارض مع هذا التوجه، مثل احتلال غزة الذي انتهى عام 2005، كما أن التخيلات بشأن الرحيل الجماعي للفلسطينيين غير أخلاقية ومستحيلة، وأي محاولة لفرضها ستؤدي إلى الدمار، صحيح أن الفلسطينيين يعتقدون أنها خطة (إسرائيل) السرية، لكن ليس هناك من ينكر أن لها تأييدا في معسكر اليمين، كما أن خط الهدنة 1949، المعروف بحدود 1967 أو الخط الأخضر، ليس مقدسًا.
يمكن القول عن أي دولة محتلة بأنها غير أخلاقية، لأنها تسعى للسيطرة على السكان الأحرار، ممن يتكبدون خسائر صباح مساء بسبب ضغط إصبع طفيف لجيش الاحتلال الإسرائيلي على الزناد، وصحيح أن مخاوف الإسرائيليين من تعرُّضهم للهجوم من الضفة الغربية عقب الانسحاب منها، كما حدث مع غزة، تؤخذ على محمل الجد، لكن احتلال الفلسطينيين المضطهدين والمحرومين لن يجلب للمحتلين الأمن المرجو لهم.
هذه المخاوف تثير لدى الإسرائيليين مطالبات بين حين وآخر بضرورة أن تجدد استعدادها لإجراء محادثات مع الفلسطينيين لإنجاز تسوية دائمة، على غرار جهود رئيسَي الوزراء السابقَين إيهود باراك وإيهود أولمرت، لأنه لن يكون من الحكمة الاحتفاظ بواقع الاحتلال من خلال اتخاذ مواقف متطرفة تعطل المفاوضات، أو باتخاذ إجراءات أحادية الجانب تهدف إلى تحييد التهديد الديموغرافي.
تسعى دوائر صنع القرار الإسرائيلي لرسم خارطة طريق محتملة، بموجبها تعلن (إسرائيل) عن حدود مثالية تجلب أكبر عدد ممكن من المستوطنين لداخل حدودها، وترك أقل من 100 ألف مستوطن عبر الحدود، وفي هذه الحالة سيضمن الفلسطينيون تعويضًا، ويحصلون على أرض صحراوية في النقب، أما المستوطنون الباقون عبر الحدود فسيحصلون على تعويضات سخية، قرابة نصف مليون دولار للبالغين، وربع مليون للأطفال، بمبلغ إجمالي يصل إلى 40 مليار دولار.