فلسطين أون لاين

الأجهزة الأمنية عارٌ دنَّس فلسطين.. آن أوان كنسهم

مشاهد الضرب والسحل للمواطنين والصحفيين في رام الله على يد عناصر من الأجهزة الأمنية بزي رسمي وعناصر من حركة "فتح" بزي مدني ألحق ضررا بالغا بصورة الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال ويعاني القهر والظلم على مدار عقود، فالكثيرون من مناصري القضية الفلسطينية حول العالم لا يعلمون أن هناك ستة أجهزة أمنية فلسطينية قوامها 75 ألف عنصر تتعاون مع الاحتلال على مدار الساعة وتقدم لأجهزته الأمنية معلومات عن النشطاء وتعتقل وتعذب بشكل وحشي.

هذه المشاهد ليست جديدة، فسجل الأجهزة الأمنية حافل بالجرائم منذ بدء عملها قبل أكثر من عقدين من الزمن، ولعل بروز وحشيتها بهذا الشكل الفج في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي كان بسبب قتلها الناشط نزار بنات الذي لا ينتمي لأي حزب وما تبع هذه الجريمة من ردة فعل عفوية لدى كثير من قطاعات الشعب الفلسطيني بالتظاهر والدعوة علنا لإسقاط السلطة ورئيسها، الأمر الذي أفقد هذه الأجهزة وقيادتها وحزب السلطة "فتح" صوابهم وخرجوا للتصدي للهبة الشعبية فتم تسجيل وحشيتهم بالصوت والصورة لتنتشر في كل أرجاء العالم.

بعد الانقسام عام 2007 شنت الأجهزة الأمنية مدعومة من القيادة السياسية حملة اعتقالات شرسة في الضفة الغربية تخللها التعذيب الوحشي ووجهت تهما للمعتقلين من قبيل بث بذور الفتنة الطائفية، وغسيل الأموال، والانتماء لتنظيم محظور وتهم متعددة لا يوجد لها أي أساس سوى الخصومة السياسية وبسبب التعذيب الوحشي قتل خمسة نشطاء تحت التعذيب على الأقل منهم مجد البرغوثي، ومحمد الحاج، وهيثم عمرو، وكمال أبو طعيمة، وفادي حمادنة.

وبسبب تغول الأجهزة الأمنية وحالة الرعب التي انتشرت في صفوف المواطنين في ذلك الوقت لم تخرج أي مظاهرات لتندد بما يحدث سوى أصوات خافتة من هنا وهناك ما تلبث أن تصمت بفعل التهديدات، هذا الحال يبدو أنه تغير اليوم فقد هدم جدار الخوف فلم يعد ينفع هذه الأجهزة بعد قتلها نزار بنات وقمع المتظاهرين والصحفيين الاختباء خلف مواجهة من تسميهم الانقلابيين أو المدعومين من الخارج.

وفي العودة إلى الوراء عندما بدأت الأجهزة الأمنية عملها عام 1994 وعلى الرغم من حداثة وجودها وحسن استقبال العائدين من الجماهير وفرحة البعض بالحل المرحلي الذي أقرته اتفاقيات أوسلو، سرعان ما كشفت هذه الأجهزة عن قناعها الزائف لتبدأ في عملية الفتك بالمواطنين والنشطاء الذين اتخذوا خطا مخالفا لأجندات السلطة، فبدأ مسلسل الاعتقال والتعذيب ونتيجة التعذيب قتل ما لا يقل عن 55 مواطنا منهم فريد جربوع، وسليمان جلايطة، ومحمد الجندي، ومحمد العمور، وتوفيق سواركة، وعزام مصلح، وغيرهم، إضافة إلى حالات قتل غامضة طالت نساء عزتها الأجهزة الأمنية لأسباب غير منطقية، والأدلة تشير إلى تورط الأجهزة الأمنية.

بشأن هذه الجرائم نشرت التقارير والبيانات ووجهت رسائل إلى الداعمين لهذه الأجهزة وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لكن لا حياة لمن تنادي، فما إن تمر أيام على هذه الجريمة أو تلك حتى تُنسى على الرغم من تشكيل لجان تحقيق ومعرفة المتهمين إلا أن أحدا لم يحاسب ولم يلاحق على أي من جرائم القتل والتعذيب.

الشهادات التي نشرت عن التعذيب في سجون السلطة الفلسطينية مروعة لا مثيل لها حتى في سجون الاحتلال، العديد من المعتقلين عبروا عن رغبتهم في البقاء في سجون الاحتلال خوفا من اعتقالهم بعد الإفراج عنهم لدى أجهزة أمن السلطة، فهناك تقليد لدى هذه الأجهزة وهي أنها تتنظر المعتقلين المفرج عنهم من سجون الاحتلال لتعتقلهم فيما بات يعرف بالباب الدوار، الأمر ذاته تفعله قوات الاحتلال في اعتقال المنهكين المفرج عنهم من سجون السلطة.

الميزانية التي تحصل عليها الأجهزة الأمنية الستة (جهاز المخابرات العامة، والأمن الوقائي، والاستخبارات العسكرية، وأمن الرئاسة، وقوات الأمن الوطني، والشرطة) غير معروفة على وجه الدقة، فهناك أموال تتدفق على هذه الأجهزة من شركاء غربيين وإسرائيليين، إلا أنه في العلن لهذه الأجهزة حصة الأسد في موازنة السلطة بمقدار أكثر من الثلث، أي ما يعادل أكثر من مليار دولار، وهذا يعادل ميزانيتي وزارة الزراعة والتعليم.

الحصاد المر لهذه الأجهزة على مدار 27 عاما من عملها جلي وواضح، وجاءت جريمة قتل نزار بنات لتكشف هذه الجرائم، فما قامت به هذه الأجهزة طوال عملها خيانة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، خيانة لكل الثوابت والمبادئ، لقد ضربت هذه الأجهزة بشكل غير مسبوق مناعة الشعب الفلسطيني في الصميم ليفتح الباب أمام الاحتلال والمستوطنين ليعيثوا فسادا في البلاد دون أن يواجهوا بأي مقاومة كما كان معتادا، فأصبح الشعب الفلسطيني يواجه احتلالين؛ واحدا من البعيد والآخر من القريب.

إن أي ثمن غير حل هذه الأجهزة مقابل هذه الجرائم يجب ألا يقبل، فقتل نزار بنات نبش الذاكرة وأخرج إلى العلن ملفات ضمت مآسي تبرز وحشية هذه الأجهزة لا يرجى أبدًا إصلاحها، منذ زمن طويل لم يكن هناك أي مبرر لتشكيلها وبعد تشكيلها ثبت أنه يجب حلها وإحالة كل عناصرها من أكبر ضابط إلى أصغر جندي إلى مراكز لإعادة تأهيلهم من جديد وتعليمهم ألف باء الانتماء إلى الوطن لا إلى الشيقل والدولار!

ولمن يسأل عن بديل الشعب الفلسطيني منذ بدايات نضاله ابتدع تشكيلات متعددة للقيام بالمهمات الأمنية المختلفة التي مناطها حماية أمن وسلامة المواطن من المخاطر الخارجية والداخلية.. أيها الناس يجب إنهاء هذا الجنون، يجب التطهر من هذا العار الذي دنس فلسطين وأهلها، يجب الإسراع بحل هذه الأجهزة فهي تشكل خطرا على وجود الشعب الفلسطيني.