إلى الجنوب، خارج أسوار المسجد الأقصى تقف بلدة جميلة، فيها من الماء والخضراء ما يؤهلها لأن تكون مهجة القدس وسلواها، ومحطة استراحة المتعبين.. بناها اليبوسيون منذ أن حطوا رحالهم في فلسطين، وجعلوا منها حامية لأسوار القدس ومدافعة عنها من أي أذى قد يطالها.
أسماها القدماء سلوان، ولها من اسمها نصيب.
ولكن، ومنذ وقعت بقية أجزاء القدس تحت الاحتلال في حرب الأيام الستة عام 1967 أصبحت سلون مُستهدفة استهدافًا خاصًا، ربما يفوق بقية مناطق القدس، رغم أنه ما من شبر في القدس الآن غير مُستهدف؛ فالقدس تخوض حرب وجود وهوية بلا سلاح تدافع به عن نفسها أو حتى درع يحميها من الأذى. وأرى أن أوقاتنا هذه من أصعب الأوقات التي يمر بها بيت المقدس.. فما الخطر المحدق بسلوان الآن؟
تضامن كُثر من أماكن مختلفة في العالم مع أهل الشيخ جراح بعد أن شاهدوا بأعينهم فيديوهات وثقها أصحاب البيوت لمستوطنين يسرقون بيوتهم في وضح النهار وتحت حماية جيش الاحتلال، في محاولة مفضوحة منهم لتهود الحي بالكامل.. وطرد سكانه من العرب الفلسطينيين، ولن أخوض الآن في قضية الشيخ جراح لأني أعتقد أن الأمر وأصل الحكاية لم يعد خافياً على أحد.. ولكني سأتناول قضية سلوان التي شرع الاحتلال في سرقة أراضيها وبيوتها منذ أن احتل القدس، حيث تخصصت جمعيات استيطانية ومنها على سبيل المثال لا الحصر" جمعية إلعاد" التي تختص بسرقة أراضي القدس وإسكان يهود فيها، ونحن نعلم تماماً أن القدس بشكل خاص باتت معاقل لليهود المتدينين "الحريديم".
نهبت الجمعيات الاستيطانية مساحات كبيرة من سلوان بكل ما تحويه من آثار قديمة للحضارات التي تعاقبت عليها ولم يقتصر الأمر على القصور الأموية التي تمتد حتى أسوار المسجد الأقصى، وكانت خير شاهد على ازدهار فلسطين منذ القِدم.. ولا يغيب عن خاطرنا أن مساحات كبيرة من هذه الأراضي هي وقف إسلامي لجميع مسلمي العالم حق فيه! ومنها عين سلوان التي كانت تروي بقية مناطق القدس فيما مضى عبر قنوات ما تزال ماثلة حتى الآن، حالها حال حائط البراق أيضاً الذي سرقوه وأسموه حائط المبكى.. فهو أيضاً وقف إسلام لا يحق لأحد التصرف فيه غير المسلمين وخليفتهم.
استطاعت الجمعيات الاستيطانية إضفاء صبغة توراتية مخادعة على منطقة سلوان، وباتوا يجعلون منها شِركاً يجذبون من خلاله السياح والباحثين عن الترفيه، ويعمدون إلى استدرار عطفهم؛ بادعائهم أن القدس يهودية الأصل، فقد سكنها حسب ادعائهم: نبي الله داوود، وابنه سليمان عليهما السلام، وبنى سليمان على جبل موريا (موقع المسجد الأقصى) هيكلهم المزعوم!
مسح هؤلاء مسمى سلوان، وأسمو المنطقة الجديدة التي استطاعوا خلقها فوق أراضي البلدة بـِ: " مدينة داوود".. فما إن تتجه من باب الأسباط شرقاً ثم تنحدر للجنوب قليلاً في الطريق حتى تشوش نظرك لوحة كتب عليها: مدينة داوود!
وفي مشروعهم الاستيطاني هذا، دفنوا مبالغ طائلة لتغيير معالم المنطقة وجعلها تتناسب مع أهدافهم التي تصب في مجال إقناع الزائر أنه يتجول بين ثنايا العصور اليهودية القديمة، وكأن توراتهم تتحدث بلسانهم الحالي، وأساطيرهم تتجول بين أروقته، لتثبِّت حقهم المزعوم في هذه البلاد، فهم كما يدعون ليسوا محتلين، وإنما أصحاب الأرض وأهلها.. فلا ضير إذن إن عادت الأرض لهم، فهم الأحق بها!! وكيف لا يكون باستطاعتهم فعل ذلك وهم أرباب المال والإعلام في العالم؟؟؟ وبهذين السلاحين استطاعوا مسح الأدمغة وطمس الحقائق وتغيير الواقع!!
سيطرت الجمعيات الاستيطانية على عين سلون وجعلت لها مجاري تتناسب مع مشاريعهم الاستيطانية والسياحية، وشقوا الطرق التي تعبر إلى حائط البراق في الجهة الغربية من المسجد الأقصى، ومن سلوان أيضاً شرعوا يحفرون باطن الأرض وينشئون الأنفاق التي تنتشر وتتفرع لتطال غالبية مناطق القدس القديمة؛ سعياً منهم للبحث عن بينات وآثار قديمة تؤكد أحقيتهم في هذه البلاد.
الأمر المستجد الآن أن منطقة الحارة الوسطى في بطن الهوى في سلوان هي منطقة مهددة بالمصادرة، والقضية ليست جديدة، بل معروضة في محاكم دولة الاحتلال منذ عام 2014 والتي ندرك تماماً انحيازها للاستيطان والمستوطنين.
وماذا سنفعل نحن إزاء ذلك؟؟ هل سنرقب نشرات الأخبار إزاء هذا التهويد ونقف متفرجين؟؟ هل سنكون داعمين لأهالي سلوان؟؟ ولا ننسى أن التاريخ لا ينسى أي شيء، ويتذكر مواقف الناس!!